المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    سرائيل هيوم: اليمن “العقبة الكُبرى” أمام مخططات التطبيع والهيمنة

    أكدت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية في تقرير موسّع أن...

    إعلام العدو: “تسونامي سياسي” يضرب تل أبيب.. المقاطعة العالمية تتسع وتخنق صادرات الكيان

    تناولت وسائل إعلام العدو الصهيوني تصاعد موجة المقاطعة الاقتصادية...

    المشاريع الأميركية والأحلام الإسرائيلية: وحدة الهدف واختلاف الأدوات

    منذ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948، لم يكن وجوده مجرّد مشروع استيطاني منفصل عن السياسات الغربية، بل كان ثمرةً مباشرة للتخطيط الأميركي-البريطاني، وأداةً استراتيجية لضمان استمرار الهيمنة الغربية في قلب الشرق الأوسط. ومنذ اللحظة الأولى، تبنّت الولايات المتحدة هذا الكيان الهجين، وحمته سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، حتى صار بقاؤه جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي الأميركي.

    ومع ذلك، فإنّ المتتبع لسياسات واشنطن وتل أبيب يلحظ وجود فروقات في أساليب التعاطي مع الأزمات: الأميركي يفضّل المسار الدبلوماسي المموّه بالقوة الناعمة، بينما الإسرائيلي، بحكم طبيعته العدوانية، يلجأ مباشرة إلى القوة الغاشمة. إلا أنّ هذه الفروقات لا تشكّل خلافًا حقيقيًا، بل هي مجرد توزيع أدوار بين الحامي الأميركي والأداة الإسرائيلية.

    أولاً: الثوابت الأميركية في دعم “إسرائيل”

    لا يمكن فهم موقع “إسرائيل” دون إدراك الثابت الأميركي المتكرر عبر الإدارات المختلفة: “أمن إسرائيل فوق كل اعتبار”.
    • الإدارات الجمهورية والديمقراطية على السواء التزمت بهذا النهج.
    • المساعدات العسكرية الأميركية لـ”إسرائيل” تجاوزت الـ150 مليار دولار منذ تأسيسها، فضلًا عن المساعدات الاقتصادية والتكنولوجية.
    • الدعم السياسي في المحافل الدولية، حيث تستعمل واشنطن حق النقض (الفيتو) بشكل شبه دائم لإجهاض أي قرار يدين جرائم الاحتلال.

    إنّ تصريحات الرؤساء الأميركيين تكشف جوهر العلاقة. ولعلّ قول بايدن: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها” هو التعبير الأكثر وضوحًا عن أنّ الكيان الصهيوني ليس مشروعًا مستقلاً بل هو مكوّن بنيوي في الاستراتيجية الأميركية.

    ثانياً: الفوارق في الأدوات – دبلوماسية أميركية مقابل عنجهية إسرائيلية

    رغم وحدة الهدف، تختلف الأدوات:
    • الولايات المتحدة: تبدأ غالبًا بالدبلوماسية، بالمفاوضات، بالضغط السياسي والاقتصادي، وتلوّح بالقوة العسكرية كورقة أخيرة.
    • إسرائيل: تفتقر إلى الدبلوماسية، وتعتمد مباشرة على القوة العسكرية والاغتيالات والحصار والتدمير، لفرض وقائع ميدانية تخدم مشروعها.

    هذا الاختلاف ليس خلافًا استراتيجيًا، بل هو انعكاس لتكامل الأدوار. فالأميركي يمنح الغطاء الدولي، بينما الإسرائيلي ينفّذ العدوان ميدانيًا.

    ثالثاً: البعد القانوني والدبلوماسي – واشنطن حارس “إسرائيل” في المؤسسات الدولية

    • في مجلس الأمن، استعملت أميركا أكثر من 45 مرة حق الفيتو لحماية “إسرائيل”.
    • في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعمل واشنطن على تعطيل أي قرار يُدين الاحتلال أو يطالب بالانسحاب.
    • حتى في المحكمة الجنائية الدولية، مارست أميركا ضغوطًا هائلة لعرقلة أي تحقيق بجرائم الحرب في غزة أو لبنان.

    وهكذا، فإنّ ما تفتقده “إسرائيل” من شرعية قانونية، تعوّضه واشنطن عبر شرعنة الباطل بالقوة السياسية.

    رابعاً: البعد العسكري والاستخباري – “إسرائيل” الذراع الضاربة

    • القواعد الأميركية في المنطقة تكمّل الوجود الإسرائيلي، والعكس صحيح.
    • التعاون الاستخباري بين الموساد ووكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) من أعمق أشكال التعاون الأمني في العالم.
    • في الحروب الكبرى، مثل حرب لبنان 2006، أو معركة “طوفان الأقصى” برز الدور الأميركي في تزويد “إسرائيل” بالذخيرة والمعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي المباشر.

    إنّ “إسرائيل” في الحقيقة ليست سوى القاعدة الأمامية للجيش الأميركي في الشرق الأوسط، يتم توظيفها لشن الحروب بالوكالة.

    خامساً: البعد الاقتصادي والتكنولوجي – الهيمنة عبر المال والعلم

    • أميركا تضمن تفوق “إسرائيل” التكنولوجي في المنطقة عبر تزويدها بأحدث الأسلحة المتطورة، ومنع أي دولة عربية من امتلاك تفوق مشابه.
    • الاستثمارات المشتركة في مجالات الأمن السيبراني والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي تجعل من “إسرائيل” مختبرًا متقدّمًا لصالح الشركات الأميركية.
    • الدعم المالي الأميركي السنوي (3.8 مليار دولار) هو الأعلى في تاريخ المساعدات الأميركية لأي دولة.

    وبذلك، تتحول “إسرائيل” إلى مركز استثماري وعسكري يخدم الاقتصاد الأميركي، بدل أن تكون عبئًا عليه.

    سادساً: المقاومة وتفكيك المعادلة الأميركية-الإسرائيلية

    رغم قوة التحالف الأميركي-الإسرائيلي، برزت المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن كعامل معرقل لهذا المشروع.
    • حزب الله في لبنان فرض معادلة الردع منذ 2006، وأسقط صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر.
    حتى في معركة أولي البأس وقف حزب الله السد المنيع بوجه المخطط الاسرائيلي ومنعه من التقدم واحتلال الجنوب
    • فصائل المقاومة الفلسطينية أعادت الاعتبار إلى السلاح الشعبي، وجعلت تل أبيب تحت مرمى الصواريخ.
    رغم كل الدمار والمجازر في غزة ولكن انتهى زمن انت تضرب غزة وتكون تل أبيب بمأمن.
    • المقاومة العراقية أخرجت القوات الأميركية عام 2011، ولا تزال تضغط لأخراج ما تبقى منا وعدم عودتها عبر النفوذ السياسي والعسكري.
    • أنصار الله في اليمن نقلوا المعركة إلى البحر الأحمر، وفرضوا معادلات استراتيجية أثرت على الاقتصاد العالمي.

    هذه المقاومات كشفت أن التحالف الأميركي-الإسرائيلي ليس قدرًا محتوماً، بل يمكن مواجهته وتفكيكه عبر إرادة الشعوب وسلاح المقاومة.

    المشاريع الأميركية والأحلام الإسرائيلية ليست سوى وجهين لعملة واحدة. الهدف واحد: السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها وإبقاء شعوبها في حالة تبعية. الاختلاف الوحيد يكمن في الأسلوب؛ فالأميركي يضع الغطاء السياسي والدبلوماسي، والإسرائيلي يطبق بالقوة الغاشمة.

    لكن، وكما أثبتت التجارب، فإن هذه المعادلة ليست أبدية. فمع صعود قوى المقاومة وتنامي الوعي الشعبي، بات الكيان الصهيوني عبئًا حتى على داعميه. وما يجري اليوم في غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق يؤكد أن زمن الهيمنة المطلقة قد ولّى، وأن المستقبل يرسمه المقاومون لا المحتلون.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    كيان الأسدي

    spot_imgspot_img