المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الشغف الأمريكي لوقف إطلاق النار في غزة

    "هذا يوم جيد، وعلى إسرائيل أن توقف أطلاق النار...

    شعب المقاومة… سلاحها الاستراتيجي

    لن يقبل اللبنانيون بالهزيمة، ولا بثقافتها. وسيظلّ هذا الجمهور،...

    7 أكتوبر والوعي العربي الهجين !

    لم يعد المشغل الاستعماري التقليدي عبر استلاب العقل الجمعي...

    ارتباك أمريكي-إسرائيلي يهدد مفاوضات القاهرة وتصعيد ميداني ينذر بتوسع الجبهات

    تعيش المنطقة لحظة غليان سياسي وعسكري متسارعة مع انطلاق مفاوضات القاهرة الخاصة بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، حيث برزت مؤشرات واضحة على تراجع أمريكي-إسرائيلي عن الانخراط الجدي في العملية التفاوضية، في ظل انقسامات داخل الإدارة الأمريكية، وتوترات ميدانية متزامنة على أكثر من جبهة.

    في الوقت الذي أعلن فيه ترامب أن “المحادثات تسير بشكل جيد”، جاء الواقع ليكشف عكس ذلك. فقد أجل كلٌّ من الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي إرسال وفديهما إلى القاهرة رغم تحديد الموعد مسبقًا. وأكدت مصادر دبلوماسية أن وفد الاحتلال برئاسة وزير الشؤون الإستراتيجية “رون ديرمر” لم يغادر تل أبيب كما كان مقرراً ظهر الاثنين، في حين أرجأت واشنطن وصول وفدها الذي يضم المبعوث للشرق الأوسط “ستيف ويتكوف” وصهر ترامب “جاريد كوشنر” إلى ما بعد الأربعاء، في مؤشر على تعثر مبكر للمفاوضات التي وصفتها واشنطن قبل أيام بأنها “حاسمة”.

    في المقابل، بدأت القاهرة الجولة الأولى رسمياً بلقاء جمع وفد حركة المقاومة الإسلامية حماس برئاسة خليل الحية مع قيادة جهاز المخابرات المصرية. وتتركز المناقشات على المرحلة الأولى من خطة ترامب التي تتضمن إطلاق الأسرى، وانسحاب الاحتلال من غزة، ووقف إطلاق النار. إلا أن أوساطاً مصرية مطلعة تحدثت عن خلافات حادة لا تزال تخيم على الأجواء، أبرزها رفض الاحتلال إدراج قيادات فلسطينية أسيرة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات ضمن قوائم التبادل، إضافة إلى تمسك المقاومة بضمانات تنفيذية تلزم حكومة نتنياهو بوقف العدوان ومنع العودة للحرب بعد إطلاق الأسرى.

    مصادر دبلوماسية أكدت أن المفاوضات تجري بسرية تامة خشية تكرار محاولات الاغتيال التي استهدفت قيادات المقاومة في الدوحة الشهر الماضي، بينما لم تصدر القاهرة أو واشنطن أي توضيحات حول أسباب تأجيل وصول الوفود الرئيسية. ورغم أن ترامب أبدى تفاؤلاً ووصف النقاشات مع حماس بأنها “إيجابية“، إلا أن مؤشرات الميدان والسياسة على الأرض تكشف تصدعاً متزايداً في جبهة الحلف الأمريكي-الإسرائيلي.

    الانقسام داخل واشنطن لم يعد خافياً. فقد فاجأ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأوساط السياسية حين أعلن في مقابلة مع شبكة “CBS” أن الإدارة الأمريكية منقسمة حول ملفات جوهرية، أهمها رغبة ترامب في الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو ما يعارضه هو بشدة “طالما أن حماس قائمة ومقاومة”. واعتبر مراقبون تصريحاته تمرداً سياسياً صريحاً ضد الرئيس، وتأكيداً لوجود صراع داخل البيت الأبيض بين جناح يسعى لحل سياسي ينهي الحرب، وآخر يصر على دعم الاحتلال بلا حدود.

    وفي الجانب الإسرائيلي، تتواصل حالة التمرد على الخطة الأمريكية، إذ كشفت الصحف العبرية أن نتنياهو رفض صراحة الإفراج عن قادة فلسطينيين، ولوّح بالعودة إلى الحرب فور استكمال صفقة التبادل، في رسالة واضحة لعدم التزامه بخيار الحلول الدبلوماسية. ووصفت أوساط إسرائيلية موقف نتنياهو بأنه “طعنة في خاصرة خطة ترامب” التي يفترض أن تمثل المخرج الأمريكي من مأزق الحرب المستمرة منذ عامين.

    بالتوازي مع الارتباك السياسي، صعّد الاحتلال الإسرائيلي عملياته على الجبهة اللبنانية، في ما اعتبره محللون محاولة للهرب من ضغوط ملف غزة بفتح جبهات جديدة. فقد شنت مقاتلات العدو سلسلة غارات على الجنوب اللبناني، مستهدفة مركبات ومناطق سكنية وحتى مناطق في البقاع، رغم استمرار التهدئة المعلنة برعاية أمريكية. وتزامن التصعيد مع جلسة للحكومة اللبنانية برئاسة ميشال عون لبحث آليات ضبط الحدود، ما اعتبر رسالة إسرائيلية تهدف لخلط الأوراق وتخفيف الضغط عن نتنياهو في ظل الفشل الميداني والسياسي في غزة.

    وفي سياق متصل، لوحظ تراجع مفاجئ في الحضور العسكري الأمريكي بالمنطقة، إذ أظهرت بيانات مواقع التتبع الملاحي مغادرة أربع طائرات تزود بالوقود جواً من قاعدة العديد في قطر باتجاه أوروبا، ترافقها وحدات من السرب الحربي الأمريكي. ويأتي هذا الانسحاب الجزئي بعد أيام فقط من إعلان واشنطن تعزيز قواتها الجوية خشية التصعيد، ما يعكس تبدلاً في المزاج العسكري الأمريكي وتراجعاً عن نبرة التهديد، خصوصاً بعد التصريحات الإيجابية التي أدلى بها ترامب بشأن إيران وبرنامجها النووي.

    ويرى مراقبون أن القرار الأمريكي بخفض الأسطول الجوي قد يرتبط بتنامي الخلافات مع الاحتلال الإسرائيلي حول خطة غزة، أو ربما يأتي ضمن رسائل تهدئة تجاه طهران بعد إعلانها دعم أي مساعٍ تمكّن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

    في المجمل، تبدو مفاوضات القاهرة عالقة بين التناقضات الأمريكية والإسرائيلية من جهة، وثبات الموقف الفلسطيني المقاوم من جهة أخرى. فبينما تتحدث واشنطن عن “تقدم جيد”، تشير الوقائع إلى جمود سياسي وانقسام داخلي وتصدع في التحالفات، في وقت يواصل فيه الاحتلال التصعيد الميداني شمالاً وجنوباً بحثاً عن متنفس من مأزق غزة. ومع استمرار هذا التباين، يتعزز الانطباع بأن ما يجري ليس مفاوضات نحو تسوية، بل سباق بين الدبلوماسية الفاشلة والخيارات الميدانية التي ترسمها المقاومة على الأرض.

    spot_imgspot_img