يتحدث مرتزقة اليمن عن جولة جديدة من الصراع المسلح في البلاد وأنهم على وشك تفجير الوضع ميدانياً، وقد فشلوا أكثر من مرة كان آخرها قبل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هذا العام، وسبب فشلهم هو مستوى الصحوة الشعبية ضد المؤامرة الخارجية على اليمن، وبات الجميع يدركون أن مرتزقة السعودية والإمارات هم نفسهم أدوات الكيان الصهيوني لتمزيق الشعب اليمني.
وبما أن حكام الرياض وأبوظبي مجبرون على خوض هذه الحرب فهم مجبرون أيضاً على تحمل نتائجها التي لن تتوقف عند الداخل اليمني، وإنما ستشمل كل منابع القوة والضعف لدى النظامين، وأهمها منشئات النفط ومراكز الاقتصاد الحساسة كالموانئ والمدن والسياحية.
وبما أن دبي تمثّل الحلقة الأضعف في منظومة العدوان الخليجي، فإنها الأقرب إلى الزوال أو الشلل الاقتصادي في حال اندلاع جولةٍ انتقاميةٍ جديدة من اليمن. فكما نجح الشعب اليمني في استهداف ميناء إيلات في فلسطين المحتلة، وإرباك خطوط الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، فإنّ ميناء دبي ليس بعيداً عن المصير ذاته، بل هو أقرب إليه من أي وقتٍ مضى.
فهناك عوامل عدة تجعل دبي هدفاً مثالياً لأي ردٍّ يمنيٍّ قادم، أهمها قصر المسافة الجغرافية، وسهولة الوصول إلى السفن الإماراتية في البحر العربي، فضلاً عن هشاشة موقعها الاقتصادي والأمني الذي يقوم على الثقة والاستقرار، وهما أول ما يتهاوى عند أول صاروخٍ يمنيٍّ يضرب الميناء أو يوقف حركة الشحن لبضعة أيام فقط.
وما يزيد الموقف خطورة أن الإمارات تفتقر إلى القدرة الدفاعية الفعلية لصدّ أي تصعيدٍ جويٍّ قادم من اليمن، خاصة بعد أن تراجعت كفاءة منظوماتها الدفاعية الأميركية أمام الضربات الدقيقة للمقاومة. ولهذا، فإنّ أي تصعيدٍ ميداني جديد لن تكون نتائجه محدودة كما كانت في السابق، بل قد يفتح الباب أمام تحوّلٍ استراتيجي في معادلات البحر والملاحة الإقليمية، يجعل من دبي نسخةً أخرى من إيلات، لكن في قلب الخليج العربي هذه المرة.
الغريب أن إطالة أمد الحرب تكشف عورات العدو واحدة بعد أخرى؛ وقد لا يستبعد أن يفاجئنا المشهد الإقليمي بدعم سعوديٍ مُبطّن لأي ضربات تستهدف الإمارات، لا سيما دبي. فمثل هذه الضربات قد تخدم أولاً وأخيراً مصلحة محمد بن سلمان في مشاريعه الاقتصادية الطموحة، إذ تسهل عليه تفعيل موانئ محلية على حساب مكانة مرفأ دبي الخليجيّة الرائدة. وهكذا يتحوّل الصراع الميداني إلى فرصةٍ لإعادة ترتيب النفوذ الاقتصادي في الخليج: ضربةٌ عسكرية تُضعف منافساً خارجياً وتُقوّي محطاتٍ داخليةً لصاحب القرار السعودي — خُطّةٌ تلتقي فيها المصالح الاستراتيجية مع الحسابات الاقتصادية والسياسية للعرش.
أما عن ردود الإمارات فكثيرة جداً، ويكفي أن تفعل ورقة الإرهاب داخل المملكة كما فعلتها من قبل في اليمن، فولاء الجماعات السلفية لأبوظبي يتعاظم يوماً بعد آخر، ومن هنا تستطيع ضرب ورقة الاستقرار الأمني الذي يتطلبه مشروع بن سلمان، وبإحياء ملف الإرهاب داخل السعودية تُصبح أبوظبي قادرة على هزّ ثقة الداخل السعودي بمشروع “الرؤية” وبقدرة الدولة على ضبط الأمن، ما قد يؤدي إلى تباطؤ الاستثمارات، وهروب رؤوس الأموال، وإضعاف المصداقية الدولية للرياض.
ولا ننسى أن الإمارات تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى قوة إعلامية موازية للسعودية وقطر، ونجحت في تمويل تيارات مختلفة لتبني دعاياتها المباشرة غير المباشرة، وكما نجحت الدوحة من قبل في تشويه صورة آل سعود عبر وكلائها في مختلف الدول العربية ومنها اليمن، فإن أبوظبي تمتلك تيارات يمنية مماثلة ولها قنوات ووسائل إعلامية كثيرة من شأنها أن تفاقم الوضع الأخلاقي الحرج لقادة السعودية.
وفي ضوء هذه التحولات، يصبح من الواضح أن أي تصعيد ميداني جديد في اليمن أو البحر الأحمر قد يفضح هشاشة التحالف الخليجي، ويكشف التباينات الخفية بين الرياض وأبوظبي. فالعلاقات التي ظنّ العالم أنها موحدة ومستقرة، ما هي إلا واجهة سياسية مزيفة، يخفي وراءها صراع نفوذ اقتصادي واستراتيجي مستمر، وقد تدفعه الضربات اليمنية القادمة إلى الانفجار.