بمباركةٍ ترامبيةٍ صاخبة، وتهليلٍ غربيٍّ لا يخلو من النفاق، وتصفيقٍ عربيٍّ، صادقت حكومة العدو على تمرير المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
اتفاقٌ يُنهي مؤقتًا شلال الدم الفلسطيني، وينصّ على تبادل الأسرى: الإفراج عن نحو ألفي أسير فلسطيني، بينهم مئتان وخمسون من أصحاب المؤبدات، مقابل تسليم جميع الأسرى الإسرائيليين، من دون أن تلتزم إسرائيل سوى بالانسحاب من نصف مساحة القطاع… نصف انسحابٍ يُشبه نصف الحقيقة.
ولعلّ المشهد الدولي بدا محتفلاً كمن يبارك “انتصار السلام”، حتى أن بعض الأصوات همست علنًا أو سرًّا بضرورة منح “القديس ترامب” جائزة نوبل للسلام التي أفلتت منه هذا العام، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل أُطفئت نار العدوان الإسرائيلي فعلًا، أم أُخمدت جمرة واحدة لتشتعل أخرى؟
من يقرأ الإعلام العبري يدرك سريعًا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يستطيع عبور المرحلة الفاصلة عن انتخابات الكنيست المقبلة، بعد عامٍ واحد، إلا وهو محاطٌ بدخان المعارك.
فالرجل يدرك أن أي هدنة طويلة ستفتح عليه أبواب الجحيم الداخلي: معارضةٌ تتأهب لفتح ملفات الفساد، وكشف الصندوق الأسود ليوم السابع من أكتوبر 2023، ذلك اليوم الذي عرّى إسرائيل وجيشها وأمنها، ووضع نتنياهو في مواجهةٍ مع تاريخه.
لهذا، فإن الهدوء بالنسبة لنتنياهو أشبه بالانتحار السياسي، أما الحرب فملاذ البقاء.
ومن هنا يُخشى أن يستغل الهدنة الحالية، التي تبدأ مع الإفراج عن الأسرى الأسبوع المقبل، لإشعال حرائق جديدة في ساحاتٍ أخرى من الإقليم.
فالإعلام الإسرائيلي ومحللوه يشيعون همسًا واضحًا: العيون شاخصة نحو إيران ولبنان والعراق.
المعركة مع طهران تبدو صعبة من دون مظلة أميركية كاملة، فإن اختارت واشنطن الاصطفاف الميداني، فستتجه الأنظار إلى الجمهورية الإسلامية. أما إن آثرت الانتظار أو الحساب البارد، فستكون الساحة اللبنانية أو العراقية المسرح البديل لحروبٍ بالوكالة أو رسائل بالنار.
لا أحد يجزم بما سيأتي، لكن المؤكد أن المنطقة تقف اليوم على حافة هدنةٍ هشّة وسلامٍ مُعلّق بين صبر فلسطينيٍ وجنونٍ إسرائيليٍ متجدد.
وإذا كانت التجارب قد علمتنا شيئًا، فهي أن من يزرع الحرب لا يُؤتمن في مواسم السلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور رضا الشاب