تتواصل رحلة عودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم في قطاع غزة بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، في مشهد إنساني مؤلم يعكس حجم المأساة التي عاشها القطاع خلال عامين من الحرب. فقد أظهرت مشاهد تدفق آلاف العائلات العائدة إلى مدينة غزة وشمال القطاع سيرًا على الأقدام، وسط دمار واسع وغياب شبه كامل للخدمات الأساسية، فيما انتشرت عناصر الشرطة الفلسطينية والأمن في شارع صلاح الدين لتأمين عودة الأهالي وتنظيم حركة المرور.
وأعلن الدفاع المدني الفلسطيني أن ما يزيد على نصف مليون فلسطيني عادوا إلى مدينة غزة وشمال القطاع منذ بدء سريان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في شرم الشيخ المصرية، في حين ما يزال كثيرون منهم يعودون إلى منازل مدمرة بالكامل أو مفقودة بعد قصف الاحتلال.
وعلى طول شارعي الرشيد وصلاح الدين، تسير العائلات وهي تحمل ما تبقى من أمتعتها، وبعضهم قطع أكثر من 15 كيلومترًا من خان يونس إلى غزة سيرًا على الأقدام في رحلة وصفوها بأنها مرهقة ومؤلمة نفسيًا، خصوصًا مع مشاهد الركام والمنازل المهدّمة التي تصدم العائدين عند دخولهم أحيائهم السابقة.
وأكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن نسبة الدمار تجاوزت 90% من البنية التحتية المدنية، وتضررت 300 ألف وحدة سكنية، بينما أوضح رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا أن 1.5 مليون شخص فقدوا منازلهم بالكامل. وفي محاولة للتخفيف من الأزمة، بدأت بلدية غزة أعمال إزالة الركام وفتح الطرق تمهيدًا لعودة السكان إلى أحيائهم.
ويترقب سكان القطاع دخول قوافل المساعدات الإنسانية عبر معبري كرم أبو سالم والعوجة، بعد شهور من الحصار الخانق والأزمة الغذائية التي أودت بحياة المئات. وأكدت وزارة الصحة في غزة أن الوضع الإنساني والصحي في غاية الخطورة، حيث يحتاج آلاف الجرحى والمرضى إلى رعاية عاجلة، مشددة على أن دعم ما تبقى من المستشفيات العاملة أولوية لا تحتمل التأجيل.
وفي السياق ذاته، قالت المنسقة الإعلامية لمنظمة أطباء بلا حدود، نور السقا، إن أكثر من 170 ألف جريح في قطاع غزة بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة، في ظل انهيار شبه كامل للنظام الصحي.
كما أظهرت الصور انتشار عناصر الشرطة الفلسطينية في شوارع مدينة غزة للمرة الأولى منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، بينما أكدت وزارة الداخلية أن هذه القوات انتشرت في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال بهدف استعادة النظام وضبط الأمن العام. ودعت الوزارة المواطنين إلى الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة والتعاون مع الأجهزة الأمنية خلال المرحلة الانتقالية الحساسة.
ويستند اتفاق وقف إطلاق النار إلى خطة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقوم على وقف الحرب، وانسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي، وإطلاق متبادل للأسرى، ودخول فوري للمساعدات، ونزع سلاح حركة حماس.
وخلال العامين الماضيين، ارتكب الإحتلال الأإسرائيلي مجازر وجرائم إبادة جماعية في غزة، أسفرت عن استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني وإصابة 170 ألف آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أزمة مجاعة أودت بحياة 460 شخصًا بينهم 154 طفلًا، وفق بيانات رسمية فلسطينية.
وفي الجانب السياسي من الاتفاق، أعلن الاحتلال الإسرائيلي أن عملية إطلاق سراح المحتجزين الأحياء في قطاع غزة ستبدأ صباح الاثنين، على أن يتم الإفراج عنهم دفعة واحدة، يليها إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ضمن الصفقة التي جرى التوصل إليها بوساطة دولية.
وأكدت القناة 12 العبريةأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدأت نقل حافلات إلى جنوب إسرائيل استعدادًا لاستقبال المحتجزين، فيما أوضح ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه يتوقع تسليم المحتجزين الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر صباح الاثنين، ثم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بعد وصولهم إلى إسرائيل.
وقالت المتحدثة باسم حكومة الإحتلال الإسرائيلي إن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين سيتم فقط بعد التأكد من عودة جميع المحتجزين الإسرائيليين وعددهم 20 شخصًا، بينما سيتم لاحقًا استلام جثامين 28 محتجزًا قُتلوا أثناء الحرب.
وفي المقابل، أكد مصدر قيادي في حركة حماس أن الحركة تجري اتصالات مكثفة مع الوسطاء لتحسين قوائم الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، مشيرًا إلى أن العقبات ما زالت قائمة لكن الجهود مستمرة للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن القوائم.
وأوضح المصدر أن المقاومة أنهت إحصاء الأسرى الأحياء وتوزيعهم على مواقع داخل القطاع استعدادًا لعملية التسليم، مضيفًا أن لقاء سيُعقد بين وفدي المقاومة والصليب الأحمر الليلة لتحديد آلية التسليم عبر ثلاثة محاور مختلفة داخل غزة.
وفي تل أبيب، قال مسؤول صهيوني إن الصفقة ستُستكمل قبل وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل صباح الاثنين، حيث من المقرر أن يلتقي نتنياهو وأهالي الأسرى ويلقي كلمة في الكنيست قبل التوجه إلى شرم الشيخ للمشاركة في قمة دولية لإنهاء الحرب.