وداعًا أيها القائد الذي صعد إلى الله مرفوعَ الرأس.. محمد عبد الكريم الغُمَاري
ليس سهلًا أن تكتبَ عن رجلٍ عاش للكرامة ورحل شهيدًا في سبيلها.
وليس سهلًا أن تختصر رجلًا بحجم اليمن في كلمات، فالكلمات تقف خَجْلَى أمام دمٍ صعد طاهرًا إلى السماء، وأمام سيرةٍ تشبه الجبال التي لا تهتزّ بالعواصف.
رحل الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري، فبكت عليه صنعاء كما تبكي الأم ولدها حين تفقده في طريق الشرف.
بكته الجبهات التي عرفته قائدًا لا ينام، والجنود الذين لم يروه يومًا إلا في مقدمة الصفوف، واليتامى الذين حماهم من جوع الحرب، والجرحى الذين وجدوا فيه قلبًا لا يعرف القسوة.
كان الغماري وجهًا من وجوه الله في الأرض.. ثابتًا، نقيًّا، يضيء كلما اشتدّ الظلام.
عرف أن العمر بلا موقف لا يُساوِي شيئًا، وأن الدم إذَا لم يُسفك؛ مِن أجلِ الحق، سيتحوّل إلى ماءٍ في عروق الخائفين.
رجلٌ من طينة غير هذه الأرض
في كُـلّ الحروب يولد أبطال، لكن الغُمَاري لم يولد في الحرب.
هو الذي أنجب للناس معنى البطولة.
لم يكن قائدًا فقط، بل ضميرًا يمشي على الأرض، يعرفُ أن النصرَ ليس بندقية فحسب، بل عقيدة تزرعُ في القلوب قبل أن تُطلق من فوهة السلاح.
كان يبتسم في وجه الموت كما يبتسم المؤمن في وجه القدر، لا يخاف إلا من أن يُقصّر في واجبه، ولا يطمع إلا برضى الله ورضى قائده السيد عبد الملك الحوثي.
ترك لنا إرثًا من العزة، ووصية من نار تقول:
“اليمن لا يُهان، والمجاهد لا يُساوِم، ومن يسلك طريق الله لا يخسر أبدًا”.
دمك أيها الشهيد لن يضيع
يا من ودّعت الأرضَ لتسكُنَ السماء، اعلم أن دمَك صار عَلَمًا يُرفرِفُ فوقَ رؤوس الأحرار.
إنك لم تمت، بل تحوّلت إلى نبضٍ في قلوب الرجال الذين تربّوا على يديك، وصار اسمُك مرادِفًا للشرف، وصورتُك في ذاكرة الأُمَّــة كأنها قسمٌ أبديٌّ: “لن نخضع، ولن نُهزم”.
كم ظنّ أعداء اليمن أن باغتيالك سيُسكتون الصوت، لكنهم نسوا أن الشهيدَ لا يُغتال، بل يُزرَع، وأن كُـلَّ طلقة استهدفتك أنبتت ألفَ مقاتل أشدَّ صلابةً وإيمانًا.
إلى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
سلامٌ عليك في ساعة الفقد، وسلامٌ على صبرك الذي يُشبِهُ صبرَ الأنبياء.
نُعزّيك بدمٍ هو امتدادٌ لمدرستك، وبقائدٍ تربَّى في ظلِّك، وسار على نهجك، وارتقى وهو يرفعُ رايةَ “الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”.
نعزّيك، ونعلمُ أنك لا تبكي الرجالَ حين يرتقون، بل ترفعُ رأسَك بهم وتقول: “هكذا ننتصر”.
لكننا نبكي معهم؛ لأننا بشر؛ ولأن الرحيل موجع؛ ولأن الوداعَ ثقيلٌ على القلوب التي أحبّت.
أيها الشهيد الغماري، نمَ قريرَ العين.
لقد أديت الأمانة، وبلّغت الرسالة، وكتبت اسمك في سفر الخالدين.
نم، فاليمن التي أحببتها لم تمت، بل ازداد نبضها بعدك حياة.
نم، فالسيد القائد يحمل الراية بثبات، وشعبك ماضٍ على الطريق ذاته الذي سقيته بدمك.
سلامٌ عليك يوم ولدت عزيزًا، ويوم قاتلت شجاعًا، ويوم صعدت شهيدًا.
وسلامٌ على اليمن الذي أنجبك، وعلى القائد الذي ربّاك، وعلى الأُمَّــة التي تبكيك بفخرٍ لا ينكسر.
رحمك الله أيها القائد الجهادي الكبير، محمد عبد الكريم الغماري.
كنت للأرض طهرًا، وللسماء وعدًا، وللأحرار قُدوة لا تموت.