كشفت صحيفة ذا كريدل الأمريكية، في تقريرٍ موسّع، عن تحرّكاتٍ استخباراتية وعسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” والإمارات تستهدف إعادة إشعال جبهات الصراع في اليمن وإضعاف صنعاء عبر أدوات محلية وتحالفات إقليمية متشابكة، في وقتٍ تلوّح فيه قيادة صنعاء بعودة “معادلة الصواريخ” إذا ما استمرّ التصعيد.
ووفقًا للتقرير، فإن اليمن عاد منذ منتصف أكتوبر إلى صدارة المشهد الإقليمي مع تصاعد التحركات السياسية والعسكرية والدبلوماسية في محافظات عدة، حيث وجّهت صنعاء رسائل حازمة إلى الرياض مفادها أن حالة “اللاحرب واللاسلم” لن تدوم، وأن أيّ خرقٍ أو محاولة لفرض واقعٍ جديد ستُقابل بردٍ مباشرٍ وحاسم، مؤكدة أن الردع بات جزءًا ثابتًا من استراتيجيتها الدفاعية والسياسية.
في المقابل، تتحرك الرياض عبر الوساطة العمانية لإحياء مسار التهدئة، محاولة الموازنة بين استمرار نفوذها العسكري وفتح قنوات تفاوض جديدة، بينما تكشف الصحيفة عن دور أمريكي وإسرائيلي نشط لتقويض فرص السلام عبر دعم فصائل محلية وتقييم جاهزيتها العسكرية وربطها بخطط إقليمية منسقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن سلطنة عُمان استعادت موقعها كوسيطٍ رئيسي بين صنعاء والرياض بعد تصاعد التوتر حول خروقات التهدئة الاقتصادية الموقعة في يونيو 2024. ومع ذلك، تؤكد الوقائع الميدانية استمرار الاعتداءات السعودية على مناطق حدودية، إذ سجلت محافظة صعدة أكثر من 947 خرقًا خلال عام واحد، خلفت 153 شهيدًا و899 مصابًا. وردّت صنعاء بوضوح على هذه الاعتداءات بأن معادلة الرد بالمثل لا تزال قائمة، مشيرة إلى أن أي تصعيدٍ سيُواجَه بالمستوى ذاته من الردع.
وأضافت الصحيفة أن العرض العسكري الذي نظمته القوات المسلحة اليمنية في محور نجران جاء كرسالة تحذير مباشرة تؤكد استعداد صنعاء الكامل لمواجهة أي عدوان جديد. في المقابل، أعلنت السلطات السعودية تجربة لصافرات الإنذار في الرياض وتبوك ومكة، وهو ما وصفته قيادات في أنصار الله بأنه “محاولة نفسية فاشلة أمام واقع الردع اليمني”.
أما على الصعيد الاستراتيجي، فترى الصحيفة أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” اتجهتا بعد حرب «طوفان الأقصى» إلى اعتماد حربٍ هجينةٍ ضد اليمن، عبر تحريك أدوات محلية بدلاً من التدخل المباشر، مع تكثيف الحرب الإعلامية والنفسية ومحاولات الاختراق الاستخباراتي. وأشارت إلى أن صنعاء رصدت تحركات سعودية لتفجير حرب أمريكية–إسرائيلية جديدة ضدها، ووجّهت رسائل تحذير حاسمة بأن أي هجوم سيقابل برد صاروخي واسع يشمل العمق السعودي والإسرائيلي على السواء.
التقرير أوضح أن القناعة الراسخة لدى صنعاء هي أن أي أدوات محلية تتحرك في مأرب أو الساحل الغربي أو الجنوب لن تُعامل كجهات مستقلة، بل كأذرعٍ للعدوان الأمريكي–الإسرائيلي، وسيُحمّل داعموها المسؤولية الكاملة عن تبعات أي عمل عسكري.
وفي سياقٍ موازٍ، كشفت الصحيفة أن القوات الأمريكية والإماراتية كثّفت خلال أكتوبر تحركاتها الميدانية في الجنوب والساحل الغربي والمهرة، عبر لجانٍ مشتركة تضم ضباطًا من الولايات المتحدة والإمارات وإسبانيا ودولٍ من أمريكا اللاتينية، باشرت مهامًا ميدانية لتقييم وتدريب وإعادة هيكلة الفصائل الموالية للتحالف، خاصة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وألوية العمالقة.
ووفق التقرير، تمركزت هذه اللجان في معسكر الكبسي بلحج، ومطار عتق بشبوة، وجبل النار بتعز، وأشرفت على عمليات فحص وتقييم وتسليح وتنظيم، فيما وصلت قوات أمريكية وبريطانية وإسرائيلية إلى محافظة المهرة، حيث تم تحويل مطار الغيضة إلى قاعدة عسكرية مغلقة تديرها شركات أمنية مثل “بلاك ووتر”، وسط احتجاجاتٍ شعبية متصاعدة.
كما شهد الساحل الغربي أنشطة إنشائية وعسكرية مكثفة في باب المندب والمخا والخوخة وجزيرة زقر، بإشراف مباشر من قوات أجنبية متعددة الجنسيات، هدفها تأمين السيطرة على الممرات البحرية وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وهي خطوة تعتبرها صنعاء جزءًا من مخطط استراتيجي لإحكام القبضة الأمريكية–الإسرائيلية على مضيق باب المندب.
واختتمت الصحيفة بالتحذير من أن اليمن يقف اليوم على مفترقٍ حاسم، بين مسار سلامٍ هشّ تدفع نحوه الوساطة العمانية، ومسار تصعيدٍ جديد قد يُعيد حرب الصواريخ إلى الواجهة. فكل المؤشرات الميدانية والسياسية تؤكد أن أي مغامرة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ستُقابل بردٍ يغيّر معادلات الردع في الإقليم، وأن صنعاء — بعد عامين من الصمود والقدرات المتطورة — لم تعد كما كانت في بداية الحرب، بل أصبحت رقماً استراتيجياً عصيّاً على الكسر.
