تشهد الساحة اليمنية تطورات متسارعة تنذر بمرحلة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، في ظل تفاقم الصراع بين قوى المرتزقة الموالية للتحالف السعودي الإماراتي وتزايد المخاوف الإقليمية من انزلاق البلاد إلى سيناريو مشابه لما تشهده السودان.
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه التحركات الإماراتية شرقي اليمن، خرجت أصوات سعودية للمرة الأولى محذّرة مما وصفته بـ“مخطط تكرار النموذج السوداني” في البلاد، في إشارة إلى ما يجري في حضرموت، المحافظة الغنية بالنفط والمجاورة للحدود السعودية.
الكاتب السعودي علي العريشي، المحسوب على الاستخبارات، أطلق تحذيرات لافتة بشأن ما اعتبره “مشروعاً خطيراً” يستهدف استنساخ الفوضى السودانية داخل اليمن، في تلميحٍ مباشر إلى تحركات أبوظبي الداعمة لتشكيلات مسلحة محلية على غرار قوات الدعم السريع في الخرطوم. التحذير الذي وُصف بأنه استنجاد ضمني بـ”أنصار الله” (الحوثيين)، عكس إدراكاً سعودياً متنامياً بأن السيطرة الإماراتية المتزايدة في المحافظات الشرقية قد تتحول إلى تهديد مباشر للمصالح السعودية.
تزامن ذلك مع حالة من الارتباك السياسي والعسكري في عدن، حيث شهدت المدينة استنفاراً أمنياً واسعاً بعد ظهور القائد الجنوبي أمجد خالد الذي أعلن عبر تسجيل مصور اتفاقاً مع صنعاء لدعم مقاومة جديدة لتحرير الجنوب من “الاحتلال الإماراتي”.
وأثار الظهور صدمة داخل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي عقد اجتماعاً طارئاً لأمانته العامة لمناقشة ما وصفه بـ“هجمات الحوثيين”، في إشارة إلى محاولات لاحتواء تداعيات الاتفاق. في المقابل، دفعت قوات الانتقالي بعشرات الدوريات والمصفحات شمال عدن، ونفذت عمليات دهم وتفتيش واسعة في الأحياء السكنية، في مشهد يعكس حجم القلق من تنامي التيارات المناهضة للنفوذ الإماراتي.
وفي خضم هذا الارتباك، أطلقت الإمارات عبر مستشار رئيسها عبدالخالق عبدالله ما يشبه صافرة البدء لمعركة جديدة في الجنوب. فقد كتب عبدالله تغريدة مثيرة قال فيها إن “بلاده أدت واجبها تجاه الجنوب العربي”، وهي عبارة حملت في طياتها تلميحاً واضحاً لتفجير مواجهة قادمة دعماً لمطالب المجلس الانتقالي بالانفصال. وتزامنت التغريدة مع تحركات ميدانية إماراتية في حضرموت، حيث تحدثت مصادر قبلية عن حشد مرتزقة أجانب من إفريقيا ومنطقة الكاريبي، في مؤشر على استعدادات ميدانية لحسم معركة النفوذ في المحافظة التي لا تزال تحت مظلة تأثير سعودي مباشر.
وفي سياق متصل، تصاعد التوتر في حضرموت مع تنفيذ قوات موالية للإمارات حملة اعتقالات جديدة طالت الشخصية الاجتماعية البارزة حسن زيد اليزيدي في مدينة المكلا، ما أثار سخطاً واسعاً في أوساط السكان الذين اتهموا الفصائل المدعومة من التحالف باستهداف الأصوات المعارضة لسياساتها. وتزامن ذلك مع محاولة اغتيال فاشلة استهدفت القيادي في فصائل التحالف صالح الروساء عبر عبوة ناسفة قرب منزله في مدينة تريم، في حادثة تعكس تصاعد الصراعات الداخلية بين المكونات التابعة للتحالف والتي تتنازع النفوذ والمكاسب داخل المحافظات الشرقية.
ويرى مراقبون أن المشهد في حضرموت بات ينذر بانفجار صراع مفتوح بين أذرع الإمارات والسعودية، خصوصاً في ظل الفوضى الأمنية وتعدد الولاءات داخل القوى الميدانية. وتؤكد التقارير أن وادي حضرموت تحول إلى بؤرة تنافس حاد بين الفصائل المسلحة المدعومة من الجانبين، مع تزايد حوادث الاغتيال ومحاولات السيطرة على الموارد والعائدات النفطية.
وفي محاولة لاحتواء الانفجار، دخلت اللجنة الرباعية الخاصة باليمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، والإمارات) على خط الأزمة، ملوحةً بعقوبات دولية تطال قيادات محلية بارزة داخل معسكر التحالف، بينهم أعضاء في المجلس الرئاسي ومحافظون ومسؤولون في الحكومة. وبررت اللجنة هذه الخطوة بملف توريد العائدات المالية إلى البنك المركزي بعدن، إلا أن توقيت التحرك كشف عن مساعٍ غربية لإعادة التوازن بين الرياض وأبوظبي ومنع تحول حضرموت إلى جبهة اشتباك إقليمي جديدة.
وبينما يواصل التحالف محاولاته لتثبيت معادلات النفوذ، يرى محللون أن ما يجري شرق اليمن يتجاوز مجرد تنافس اقتصادي أو عسكري، بل يعكس صراع إرادات بين مشروعين متناقضين داخل التحالف ذاته: الأول يسعى لترسيخ النفوذ الإماراتي عبر تفكيك اليمن وتمكين الانفصاليين، والثاني يحاول الحفاظ على الحد الأدنى من وحدة البلاد تحت مظلة النفوذ السعودي. وبين هذين المسارين، تبرز صنعاء كرقم وازن تتقاطع عنده حسابات الجميع، في وقت تتبدى فيه بوادر تحالفات جديدة قد تعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي في اليمن خلال المرحلة القادمة.
