إعلان واشنطن الموافقةَ على بيع طائرات F-35 للسعوديّة يشكِّل منعطفًا يستحقُّ القراءة المتأنية، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي والقراءات المبسطة؛ فالصفقة تتجاوز مُجَـرّد نقل أسلحة متطورة إلى أبعادها الجيوسياسية الأعمق، بل تؤكّـد حقيقة مدى الارتباط الوثيق بين الرياض والاحتلال وسعيهما الخبيث لإنشاء مطارات قريبة من اليمن.
ويثير الترويج لفكرة “كسر الاحتكار الإسرائيلي” حالةً من التساؤلات حول مدى واقعيته، خَاصَّة في ظل العلاقة الاستراتيجية المصيرية بين واشنطن وكَيان الاحتلال، حَيثُ تعبر الأخيرة عن الرغبة الأمريكية الكامنة.
فصفقات السلاح المتقدم للدول العربية تأتي محكومة بشبكة من الضوابط التقنية والسياسية التي تحافظ على التفوق النوعي للكيان الغاصب.
فالطائرات – إذَا ما سُلِّمت – ستصل بحزمة قيود صارمة، مع احتفاظ واشنطن بمفاتيح التشغيل الاستراتيجية عبر التحكم في الصيانة وقطع الغيار، وهذا يضمن أن تظل القدرة القتالية الفعلية لهذه الطائرات مرتبطة بالموافقة الأمريكية.
اليمن: المعادلة المستعصية
في هذا السياق، يبرز سؤال محوري: لماذا تسعى الرياض لهذه الصفقة؟
يبدو أن الحرب في اليمن تشكل القلق الدائم والهاجس المرعب لمركز القرار السعوديّ، خُصُوصًا بعد سنوات العدوان الفاشلة.
ترى الرياض في الـF-35 أدَاة حاسمة لكسر الجمود العسكري، مستندة إلى قدراتها على التخفي المتقدمة ونظم الاستخبارات والمراقبة المحمولة جوًا.
لكن الاعتماد على “الحل السحري” العسكري يحمل في طياته مخاطر جسيمة؛ فالتجربة اليمنية أثبتت أن التفوق الجوي لا يحسم معارك ضد قوات تمتلك قدرات صاروخية متطورة وتقنيات دفاع جوي متقدمة.
وأي تصعيد عسكري جديد قد يعرض البنية التحتية الحيوية السعوديّة لضربات موجعة؛ مما يهدّد مشاريع التنمية الطموحة لـ”رؤية 2030″، ويُدخل المملكة في دوامة استنزاف جديدة لا تُحمد عواقبها.
الخلاصة:
تبقى الحقيقةُ أن القوةَ التكنولوجية وحدَها لا تكفي لحلِّ الأزمات المعقَّدة.
والأجدى للسعوديّة هو العملُ على تطوير استراتيجية متوازنة تدمج بين الخيارات السياسية والدبلوماسية، وتسعى لبناء استقرار إقليمي حقيقي قائم على احترام السيادة اليمنية المستقلة.
ففي النهاية، الأمن الحقيقي لا يُكتسب من خلال صفقات السلاح فقط، بل من خلال رؤية استراتيجية شاملة تضع مصلحة المنطقة في قلب حساباتها، وتعمل على إرساء نظام إقليمي قائم على التعاون والاستقرار الدائم.
