العدوان اليوم لم يأتِ بصنوفه المعلومة من دمار وخراب، بل شنَّ اجتياحا صامتًا، زحف خفيةً إلى أقدس حصوننا ومكمن قوتنا: القلب والعقل.. وإن الذكاء الاصطناعي ليس مُجَـرّد تقنية حديثة، بل هو مشروع تجريد روحي ووجودي يسعى لغزو الذاكرة وتصفير الهُوية، وإفقاد الأُمَّــة ذاكرتها التاريخية.
لقد تحول التهديد من احتلال الأرض إلى اختراق اليقين؛ حَيثُ يفتك هذا السلاح الناعم بهويتنا، ليحولنا إلى رعايا في “مملكة رقمية” تصادر حتى حقنا في التفكير الحر، حاصرةً إيانا ضمن شبكة عنكبوت رقمية تُنسج خيوطها بأيدي الاستكبار.
إن هذا الذكاء المصنوع ليس محايدًا أبدًا؛ بل هو مرآةٌ خبيثة تعكس أجندة أسياده، وخوارزميات صاغتها مراكز قوى الهيمنة المتصهينة.
إنها تعمل بذكاء شيطاني على تمزيق نسيج اليقين في قلوبنا، وغرس بذور الشك والفتنة في كُـلّ ثابتة.
يعمل هذا المشروع، الذي هو رقيب لا ينام، كـ”ماكينة التضليل الجديدة” التي تلبس الحق بالباطل، مستخدمًا تقنية “الزيف العميق” لإسقاط الرموز وتشويه الحقائق.
إنها حرب لتزوير الإرادَة الإلهية على الأرض، ومحاولة لإحلال سلطة الآلة الصماء محل العقل المستنير، لتجعلنا نتبع خطوات الشيطان الرجيم بأدواته المحدثة.
هنا يكمن عمق الكارثة ومركزها؛ فالعدوّ لا يهدف إلى تعطيل الأنظمة المادية فحسب، بل إلى تسميم وعينا الجمعي بالخرافات المصطنعة، وخلق واقع افتراضي مشوه يحجب الرؤية عن حقيقة الصراع وأهدافه النهائية.
وعندما يغيب الوعي عن إدراك المصادر والخلفيات، يسقط التحصين الداخلي، وتصبح الأُمَّــة فريسة سهلة لمخطّطات العدوان الآلي.
وهذا هو الفخ الذي حذرنا منه كتاب الله، خشية أن نكون كالذين استهوتهم الشياطين في الأرض حيارى.
إن واجبنا الإيماني، المستمد من هويتنا التي تأبى العبودية، يفرض علينا أن نعلن النفير الروحي والجهاد المعرفي، وأن نتحول من مستهلكين إلى منتجين ومقاومين.
يجب أن نحول التهديد إلى فرصة، ببناء مشروعنا القرآني المحصن الذي لا يباع ولا يشترى ولا يخترق بأية خوارزمية.
إن المعركة الحقيقية التي يجب خوضها هي معركة البصيرة في وجه الآلة الصماء.
لا خلاص إلا بالتحصين القرآني؛ لأن الذكاء الاصطناعي فخ..
وبصيرتنا تحطمه.. فلتسقط الآلة وليرتفع الوعي.
