المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    موقع إيطالي: واشنطن تحشد أسطولها قبالة فنزويلا وسط تكهّنات بعمل عسكري وشيك

    كشف تقرير نشره موقع "شيناري إيكونوميشي" الإيطالي، للكاتب فابيو...

    مَن خان القدسَ اليوم سيخُنْ مكةَ والمدينة غدًا

    في سياق التحولات التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية،...

    ما بين السطور.. اغتيال القيادي في حزب الله السيد أبو علي الطبطبائي

    ليست آلةُ الحرب الإسرائيلية وحدَها التي تحلّق في السماء حين تنفذ طائرات الجيش عمليات الاغتيال، بل يرافقها جيشٌ آخر يعمل في الظل: إعلامٌ موجَّه، وأجهزةٌ استخباريةٌ تمتد أذرعها حتى الوحدة 8200، يشنون حربًا نفسيةً لا تقل ضراوة عن نيران الصواريخ.. فكل عملية اغتيال تُفتَح لها بواباتٌ واسعة من الشائعات، تُزرع عمدًا في بيئة المقاومة لإحداث رجّةٍ في الوعي، وتغذية القلق، ومحاولة ضرب الثقة بين الناس وحزب الله.

    من بين تلك الأخبار التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، روايةُ “العميل” الذي قيل إنه قبض خمسة ملايين دولار مقابل الإرشاد إلى مكان القائد الشهيد.

    لا يمكن الجزم بصحة الرواية، ولا يسع أحدًا نفيُها بشكل قاطع، لكن يكفي أنها خرجت من الفم الإسرائيلي حتى نضعَها مباشرةً في خانةِ الحرب النفسية.

    وما دامت كذلك، فإن التعامُلَ معها يجبُ أن يكونَ بوعيٍ أعلى من الشائعة نفسها، وبحكمةٍ تليقُ بظرفٍ بالغِ الحساسية.

    ولو أجرينا مراجعةً سريعةً للمعلومات المتداولة عن الشهيد المستهدَف، لوجدنا أن الرجلَ كان سابقًا هدفًا لمحاولتَي اغتيال، إحداهما في سوريا.

    وهو من الذين خاضوا معارك عديدة في ساحات الشمال السوري.

    والساحة السورية، بطبيعتها الخَاصَّة وتشابك حضور الجيش السوري وازدحام أجهزة استخبارات العالم هناك وفي طليعتها الروسية، كانت كفيلة بإحراق الكثير من القيادات وتعريضهم للرصد على مدار الساعة.

    ولذلك، فإن الشهيد، بالنسبة للإسرائيلي، ليس شخصيةً مجهولة الهُوية، بل اسمٌ وصورةٌ وصوتٌ محفوظٌ تحت العدسات منذ زمن.

    كان ينتظر فقط لحظة الظهور على شاشة كاميرا ما، أَو اقترابه من هاتفٍ ما، ليبدأ تتبُّعَه الدقيقَ وُصُـولًا إلى لحظة التنفيذ.

    فالإسرائيلي -بدعمٍ من عواصم كبرى وقدرات رقمية هائلة- يملِك صورتَه وبصمتَه الصوتية وربما خرائط تحَرُّكاته عبر سنوات.

    وهذا وحدَه كافٍ لالتقاط أية إشارة منه، سواء تحدَّث مع حامل هاتف خلوي أَو مرّ أمام كاميرا متصلة بالإنترنت، حتى لو كانت غير مفعلة منذ زمن.

    إن عملية الرصد داخل لبنان بلغت مستوى غير مسبوق، بعدما سُخِّرت إمْكَانات التكنولوجيا العالمية لخدمة العدوّ.

    وليس من المستبعد أن الإسرائيلي اليوم يعتمد على “العميل غير البشري” — الذكاء الاصطناعي، الخوارزميات، أجهزة التعقب، وملايين العيون الرقمية المنتشرة بلا ضجيج — أكثر من اعتماده على العميل البشري الذي قد يخطئ أَو يتردّد.

    وفي زمن الانفجار التكنولوجي هذا، ومع هذا التفوُّق الذي يشُقُّ طريقَه عبر الأقمار الصناعية والبيانات الفائضة، يبدو أن أخطرَ العُمَلاء وأدقَّهم وأسرعَهم نقلًا للمعلومات.. هو الهاتف المحمول.

    هذا الكائنُ الصغيرُ الذي نحملُه بأمان، فيما هو، من حَيثُ لا نعلم، يسجِّلُ ويحلِّلُ ويرسل ويرسم خرائطَ حياةٍ كاملة قد يكون ثمنها دم قائد أَو مصير جبهة.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    كيان الأسدي

    spot_imgspot_img