تعيش الأوساط السعودية حالة من الارتباك والانقسام الداخلي على خلفية التوجه الأمريكي لتصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” ضمن قوائم الإرهاب، في خطوة تهدد أحد أقدم الأذرع السياسية والدعوية التي استثمرت فيها الرياض لعقود، وسط تحركات إماراتية موازية لتفكيك فروع الجماعة في اليمن ضمن صراع النفوذ الخليجي المتصاعد.
وتباينت مواقف النخب السعودية بشكل لافت؛ إذ عبّر فريق عن مخاوفه من أن يؤدي القرار الأمريكي إلى “شلّ الجماعة كلياً”، معتبرين أن واشنطن ستفتح الباب أمام دول غربية أخرى لاتخاذ الخطوة ذاتها، ما قد يُعيد رسم خريطة الإسلام السياسي في المنطقة. ومن بين هؤلاء عبد الرحمن الراشد، مدير قناة “العربية” الأسبق، الذي أشار إلى أن التصنيف قد ينسف نفوذ الجماعة التاريخي ويؤثر على دور السعودية الإقليمي.
في المقابل، رحب تيار آخر بالقرار، معتبراً أنه سيُضعف نفوذ الجماعة ويحد من استهدافها للسعودية ويجفف منابعها المالية، في حين أبدت أصوات ثالثة أسفها على انهيار أداة سياسية كانت تمثل الذراع الفكرية للنفوذ السعودي قبل أن تنقلب عليه وتتحالف مع أنقرة والدوحة.
ورغم غياب الموقف الرسمي الواضح، تؤكد المؤشرات تأييداً سعودياً ضمنياً للخطوة الأمريكية، خاصة وأن المملكة كانت قد أدرجت الجماعة مسبقاً في قوائم الإرهاب محلياً وطردت رموزها من أراضيها، وعلى رأسهم قيادات حزب “الإصلاح” اليمني الذي كان حليفها الرئيسي في البدايات الأولى للحرب على صنعاء.
وفي المقابل، كشفت تقارير عن بدء قيادات “الإخوان” سحب أرصدتها من البنوك الأمريكية وتغيير أسماء حساباتها خشية تجميدها، بعد أن وقّع الرئيس الأمريكي قراراً تنفيذياً يستهدف فروع التنظيم في مصر ولبنان والأردن، بانتظار تقرير مشترك بين الخارجية والخزانة خلال 30 يوماً لتوسيع نطاق التصنيف ليشمل باقي الأذرع في الشرق الأوسط.
وفي اليمن، تصاعدت الأزمة داخل حكومة المرتزقة الموالية للتحالف مع تنامي المطالب بعزل “الإصلاح” من المشهد السياسي قبل صدور القرار الأمريكي. وأفادت مصادر حكومية بأن مسؤولين نصحوا رئيس حكومة المرتزقة الموالية للإمارات، سالم بن بريك، بالتخلي عن الحزب خشية انعكاس القرار على “شرعيته” أمام المجتمع الدولي.
في المقابل، حاول “الإصلاح” الدفاع عن نفسه عبر وسائل إعلامه، مبرزاً علاقاته السابقة بالسعودية وواشنطن لتأكيد أنه ليس خصماً للغرب، غير أن تلك التصريحات عكست قلقاً داخلياً من تداعيات القرار الأمريكي الوشيك، خصوصاً بعد إدراج القيادي حميد الأحمر على لائحة العقوبات الأمريكية مؤخراً.
في الاتجاه ذاته، كثفت الإمارات تحركاتها العسكرية والإعلامية لتقويض نفوذ “الإصلاح” في الجنوب والغرب اليمني، حيث دفعت بقائد فصائلها في باب المندب، حمدي الصبيحي، لقطع الطريق أمام تمدد قوات الحزب نحو الممر البحري الاستراتيجي، في خطوة تعكس تنسيقاً إماراتياً متقدماً للسيطرة على مفاصل النفوذ في تعز وحضرموت، مع إبقاء مصير محافظ تعز “المؤتمري” نبيل شمسان معلقاً وسط تصعيد متبادل.
وتشير التطورات إلى أن أبوظبي تسعى لتفعيل “سيناريو ما بعد التصنيف” عبر توجيه فصائلها لضرب فروع الحزب تحت غطاء مكافحة الإرهاب، في حين يجد “الإصلاح” نفسه بين كماشتي واشنطن وحلفاء الأمس في الرياض وأبوظبي، في مشهد يعكس عمق الانقسام داخل المعسكر الموالي للتحالف وتآكل مشروع “شرعية الفنادق” الذي تحول إلى ساحة تصفية نفوذ بين الرياض وأبوظبي.
