تشهد الأراضي الفلسطينية تصعيداً ميدانياً وإنسانياً متزامناً بين قطاع غزة المنكوب بفعل العدوان والحصار والضفة الغربية التي تحولت إلى ساحة عمليات عسكرية مفتوحة، في وقتٍ تتكشف فيه فصول جديدة من المعاناة اليومية للشعب الفلسطيني وسط صمت دولي متواطئ.
في غزة، سلّمت كتائب القسام وسرايا القدس مساء الثلاثاء جثة أحد الأسرى الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر الدولي، في خطوة إنسانية ضمن ما تبقّى من اتفاق وقف إطلاق النار المترنّح. وأكدت الفصائل أن الجثة عُثر عليها وسط القطاع في إطار عمليات البحث المستمرة، بينما زعمت سلطات الاحتلال أن بعض الرفات المستلمة لا تعود لجنودها، في محاولة لتشويه الاتفاق القائم.
يأتي ذلك فيما ارتفع عدد جثامين الشهداء التي استلمتها وزارة الصحة في غزة إلى 345 جثماناً بعد تسلّم 15 جثماناً جديداً عبر الصليب الأحمر، حيث أوضحت الوزارة أن عمليات التعرف مستمرة، وأن معظم الجثامين تظهر عليها آثار التعذيب والتنكيل، ما يؤكد حجم الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان المستمر منذ أكتوبر 2023.
وفي موازاة المأساة الإنسانية داخل القطاع، غرقت عشرات خيام النازحين في مدينة دير البلح نتيجة الأمطار الغزيرة التي ضربت غزة فجر الثلاثاء، لتتحول المخيمات إلى برك من الطين والمياه الباردة وسط غياب تام للبنية التحتية والصرف الصحي. وأكّدت هيئة الدفاع المدني أن الخيام الحالية “لا تصلح مطلقاً للعيش الآدمي”، مطالبة بتوفير كرفانات سكنية آمنة قبل تفاقم الكارثة.
وفي بيانٍ مشترك، طالبت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بإعلان قطاع غزة منطقة كارثة إنسانية، داعية إلى إدخال عاجل لمواد الإغاثة والمياه الصالحة للشرب، بعدما بلغت نسب سوء التغذية أكثر من 90% بين السكان، في ظل الحصار الخانق ومنع دخول المساعدات من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الضفة الغربية، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة في محافظة طوباس شمالي الضفة، بمشاركة ثلاثة ألوية قتالية هي منشة والشومرون والكوماندوز، وسط إغلاق كامل للمحافظة وتحويل عشرات المنازل إلى ثكنات عسكرية.
وأعلنت بلدية طمون أن قوات الاحتلال اقتحمت البلدة وجرفت طرقها الرئيسية وقطعت المياه عنها، بينما أكد محافظ طوباس أحمد الأسعد أن العملية “ستستمر عدة أيام”، رغم خلو المحافظة من أي مطلوبين، مشيراً إلى أن الهدف الحقيقي هو توسيع السيطرة على الأغوار الشمالية ضمن خطة “الضم الميداني” المتسارعة.
وفي ردٍّ على هذه التطورات، أدانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي العدوان الإسرائيلي على طوباس، مؤكدتين أن ما يجري هو “عدوان ممنهج يهدف إلى تهجير الفلسطينيين وإفراغ الضفة من سكانها”، واعتبرتا أن “الصمت الدولي على جرائم الاحتلال يشجع على التمادي في ارتكاب المجازر”.
ويرى مراقبون أن العملية الإسرائيلية الجديدة تأتي في سياق ما يُعرف بـ“استكمال الأسوار الحديدية”، وهي خطة تمتد من جنين إلى طوباس وطولكرم، وتهدف إلى ترسيخ السيطرة العسكرية الدائمة على الضفة الغربية عبر تقسيمها إلى مربعات أمنية منفصلة، بالتوازي مع التوسع الاستيطاني المتسارع.
وهكذا، تتقاطع المأساة الإنسانية في غزة مع التصعيد العسكري في الضفة لتشكّلا مشهداً واحداً لسياسة إسرائيلية ممنهجة تقوم على القتل والحصار والتهجير، فيما يبقى الموقف الدولي غارقاً في البيانات الخجولة التي لا توقف الدم ولا تنقذ من يموتون كل يوم برداً أو قصفاً أو جوعاً.
