المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    انقلاب عسكري في غينيا بيساو يطيح بالرئيس إمبالو قبل حسم نتائج الانتخابات

    شهدت غينيا بيساو، الدولة الصغيرة الواقعة في غرب أفريقيا،...

    تصعيد شعبي واسع.. القبائل اليمنية تعلن النفير العام وتؤكد الجهوزية لمواجهة أي عدوان

    تشهد المحافظات اليمنية تصعيداً ميدانياً واسعاً يؤكد اتساع دائرة...

    تقرير رسمي: عدد سكان اليمن يرتفع إلى 40.6 مليون نسمة وسط أسوأ أزمة إنسانية في العالم

     كشف تقرير حالة سكان اليمن 2025 الصادر عن المجلس الوطني للسكان بصنعاء عن مؤشرات ديموغرافية واقتصادية وصحية بالغة الخطورة، تعكس حجم التداعيات التي خلّفها العدوان والحصار المستمران منذ عام 2015 على حياة اليمنيين، وعلى رأسها صحة الأمهات والأطفال وتماسك البنية السكانية والاقتصادية للبلاد.

    وبحسب التقرير، يُتوقع أن يبلغ عدد سكان اليمن 40.6 مليون نسمة بحلول عام 2030، فيما يقدَّر عدد سكان العام الجاري بنحو 35.3 مليون نسمة، في ظل معدل نمو سكاني يصل إلى 2.8%، ما يعني استمرار الزيادة السكانية بوتيرة ملحوظة رغم التباطؤ النسبي مقارنة بالعقود السابقة.

    يرى التقرير أن هذا النمو المتواصل، في ظل الحرب والحصار، يشكّل ضغطاً متزايداً على الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه والأراضي الزراعية، وعلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وفرص العمل، بما يفرض تحديات كبيرة على السياسات التنموية ويستدعي اعتماد خطط استراتيجية طويلة الأمد لتحويل الزيادة السكانية إلى قوة إنتاجية فاعلة بدلاً من تحولها إلى عبء إضافي.

    نزوح داخلي واسع وتغيّر في الخريطة السكانية

    يؤكد التقرير أن العدوان والحصار والنزاعات المسلحة في عدد من المحافظات تسببت في نزوح داخلي واسع، قدّر عدد المتأثرين به في عام 2023 بأكثر من 6 ملايين نازح، ما خلق ضغطاً هائلاً على الخدمات في بعض المناطق، يقابله تراجع حاد في الخدمات في مناطق أخرى فقدت جزءاً كبيراً من سكانها.

    وتسببت موجات النزوح في تغيّر التوزيع الجغرافي للسكان، ودفعت أعداداً غير قليلة من اليمنيين إلى الهجرة إلى دول الجوار والمهجر بحثاً عن فرص معيشية أفضل، وهو ما ترتّب عليه فقدان جزء مهم من الخبرات والقوى العاملة المؤهلة.

    ويشير التقرير إلى حدوث اختلال واضح في التوازن السكاني، بفعل استشهاد أعداد كبيرة من الشباب في جبهات الدفاع عن الوطن، وارتفاع نسبة النساء والأطفال في بعض المناطق نتيجة غياب الرجال بسبب القتال أو الهجرة، الأمر الذي ضاعف الأعباء على الأسر ورفع معدلات الإعالة.

    تغيّرات ديموغرافية عميقة وارتفاع في معدلات الإعالة

    بيّن التقرير أن التغيرات الديموغرافية تمثلت في ارتفاع معدل الإعالة وزيادة نسبة الفئات العمرية غير المنتجة من الأطفال وكبار السن، مقابل الفئة العاملة، ما فاقم العبء الاقتصادي على الأسرة والمجتمع.

    وبحسب الأرقام الواردة في التقرير:

    • تشكل الفئة العمرية من صفر إلى 14 سنة نحو 41% من إجمالي السكان.
    • وتبلغ نسبة الفئة 10–19 سنة حوالي 22%.
    • فيما تمثل الفئة 10–24 سنة ما نسبته 31% من السكان.
    • وتبلغ نسبة الفئة العمرية 15–64 سنة (قوة العمل) 56%، في حين لا تتجاوز نسبة من هم 65 سنة فأكثر نسبة 3% من السكان.

    أما المعدل الكلي للخصوبة فيبلغ 4.4 طفل لكل امرأة، ويُقدّر متوسط العمر المتوقع عند الولادة بنحو 67 عاماً للذكور و72 عاماً للإناث، مع تحذير من أن استمرار التدهور الصحي والمعيشي قد يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في السنوات المقبلة.

    أكثر من 50% من المرافق الصحية مدمَّرة أو خارج الخدمة

    يسلّط التقرير الضوء على الانهيار الخطير في البنية الصحية نتيجة الحرب والحصار، موضحاً أن أكثر من 50% من المرافق الصحية في اليمن تعرّضت للتدمير أو خرجت عن الخدمة، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام انتشار الأمراض والأوبئة مثل: الكوليرا، والحصبة، والملاريا، والدفتيريا، وحمّى الضنك، مع تراجع ملحوظ في خدمات الرعاية الصحية الأساسية.

    وأدى تدهور المنظومة الصحية إلى:

    • نقص الرعاية الصحية قبل وأثناء وبعد الولادة، واضطرار الكثير من النساء للولادة في المنازل من دون إشراف طبي، ما زاد من مضاعفات الحمل والولادة وخطر الوفيات بين الأمهات والمواليد.
    • عدم قدرة الأمهات على تغذية أنفسهن وأطفالهن بشكل كافٍ بسبب محدودية موارد الأسر وانقطاع مصادر الدخل، ما أسهم في تفشي سوء التغذية خصوصاً بين الأمهات والأطفال.
    • نقص أجهزة الحاضنات والإنعاش وأدوات الجراحة النسائية والمستلزمات الطبية الأساسية، ما يحدّ من قدرة المستشفيات القليلة العاملة على تقديم الخدمات المنقذة للحياة.
    • صعوبة الوصول إلى الغذاء وغياب البرامج التغذوية المنتظمة، خاصة في المناطق المحاصرة أو النائية.
    • تراجع تغطية برامج التطعيم الأساسية للأطفال، ما أدى إلى عودة أمراض كان قد تم الحد منها في السابق.

    ويحذر التقرير من أن صحة الأم والطفل تمر بمرحلة حرجة للغاية، مع تسجيل تراجع واضح في المكاسب التي تحققت سابقاً في هذا المجال، الأمر الذي يهدد بمزيد من التدهور ما لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة وشاملة وفعّالة.

    فقر واسع وتآكل في القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية

    على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، يشير التقرير إلى أن الحرب والحصار تسببا في ارتفاع غير مسبوق لمعدلات الفقر، حيث تقدّر التقديرات الدولية أن نحو 80% من سكان اليمن يعيشون تحت خط الفقر، في ظل تدهور الدخل وتقلص أو انعدام فرص العمل، واعتماد شرائح واسعة من السكان على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

    وأدى الحصار المفروض على البلاد إلى تراجع كبير في حركة التجارة والاستيراد وارتفاع تكاليفها، ما حدّ من قدرة اليمن على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، وانعكس على أسعار الغذاء والدواء والخدمات. كما تسببت الحرب في خروج أعداد كبيرة من الأطفال في سن التعليم من المدارس، نتيجة تدمير البنية التعليمية أو النزوح أو عجز الأسر عن تحمّل تكاليف الدراسة، ما يهدد بموجات جديدة من الأمية والحرمان التعليمي.

    وبالتوازي، تواجه نحو 4.5 ملايين امرأة في سن الإنجاب تحديات كبيرة في الحصول على خدمات صحة الأم والوليد نتيجة تدهور النظام الصحي، وهو ما يزيد من مخاطر الوفاة والعجز والمرض بين الأمهات والأطفال.

    تراجع في مؤشرات التنمية وأهداف الألفية والاستدامة

    يوضّح التقرير أن الفجوة بين الواقع الصحي والسكاني الحالي وبين الطموحات الوطنية والدولية في إطار أهداف التنمية المستدامة أصبحت فجوة واسعة وخطيرة، خاصة فيما يتعلق بأهداف الصحة الجيدة، والقضاء على الجوع، وتعزيز الشراكات.

    ويؤكد أن تحسين الوضع يتطلب استجابة وطنية عاجلة تتجاوز مجرد المساعدات الطارئة إلى تبني رؤية شاملة تقوم على:

    • التزام سياسي واضح بحماية صحة السكان، خاصة الأمهات والأطفال.
    • استثمار مستدام في البنية التحتية الصحية والخدمات الأساسية وبرامج الحماية الاجتماعية.
    • ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المناطق المتضررة.
    • تحييد المرافق الصحية عن النزاع ووقف استهدافها، باعتباره شرطاً أساسياً لتحسين الوضع الصحي العام.

    غياب التعدادات الرسمية وتفاقم التحديات السكانية

    يذكر التقرير أن آخر تعداد رسمي للسكان في اليمن أُجري عام 2004، وسجّل حينها 19.7 مليون نسمة، وكان من المقرر تنفيذ تعداد جديد عام 2014، إلا أنه أُلغي بسبب العدوان والحصار وما رافقهما من ظروف أمنية واقتصادية صعبة، ما جعل تقدير السكان وإدارة الملف السكاني أكثر تعقيداً، وأسهم في تفاقم التحديات السكانية وتداخلها مع باقي الملفات التنموية منذ 2015 وحتى اليوم.

    وفي ختام قراءته، يحذّر التقرير من أن استمرار العدوان والحصار والاضطرابات الداخلية سيؤدي إلى تعمّق الأزمة السكانية والتنموية، مؤكداً أن التعامل مع الملف السكاني في اليمن لم يعد مجرد خيار تنموي، بل ضرورة وطنية واستراتيجية لحماية بقاء المجتمع واستعادة الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة لملايين اليمنيين.

    spot_imgspot_img