المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    قبائل يمن الإيمان تهدّد أمنَ الكَيان

    ما يزالُ أحرارُ قبائل اليمن ثابتين على موقفهم، يخرجون...

    لا تَصمُت عن قول الحق.. فالصمتُ أول أبواب الانكسار

    لم يعد الصمت في عالم اليوم خيارًا محايدًا أَو موقفًا رماديًّا، بل أصبح فعلًا سياسيًّا بامتيَاز، يحمل دلالات خطيرة تتجاوز حدود الفرد لتصل إلى مصير الأُمَّــة كلها.. ففي زمن تتكاثر فيه الضوضاء، وتتصارع فيه الروايات والحقائق، بات السكوت عن الظلم أشبه بمنح تفويض مفتوح للطغيان كي يتمدد ويترسخ.

    لقد أثبتت التجارب الحديثة أن الصمت لا يطفئ نار الفتن، ولا يخفف من وطأة المؤامرات، بل يمنح القوى المعتدية فرصة أوسع لإعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحها.

    الحكمة التي تقول: “لا تصمت عن قول الحق مهما كان مرًا؛ فعندما تضع لجامًا في فمك سيضعون سرجًا على ظهرك” ليست مُجَـرّد عبارة، بل هي توصيف دقيق لواقع عربي مرير، حَيثُ اختارت بعض الأنظمة التواطؤ أَو الصمت إزاء الجرائم الإسرائيلية والأمريكية في فلسطين ولبنان واليمن، معتقدة أن تجنب المواجهة يحميها من الخطر.

    لكن النتائج جاءت عكس ذلك تمامًا.

    فالصمت العربي والإسلامي الطويل تجاه ما تعرض له اليمن منذ عام 2015 لم يمنع النار من الوصول إلى غيره؛ بل امتدت المخطّطات إلى السودان وليبيا وغيرها، في تأكيد واضح على أن من يظن أنه بمنأى عن العدوان لم يفهم طبيعة المشروع الأمريكي والإسرائيلي الساعي إلى تفكيك الأُمَّــة وإغراقها في صراعات لا تنتهي.

    إن السكوت عن الظلم لا يطفئ الشر، بل يستدعيه.

    سياسيًّا، يُعتبر الصمت فراغًا تملؤه قوى النفوذ، وإعلاميًّا يمنح فرصة للمحتلّ كي يفرض روايته، واجتماعيًّا يخلق حالة من التبلد الأخلاقي لدى الشعوب، حتى يصبح الظلم مشهدًا عاديًّا لا يحرك ساكنًا.

    وحين يترسخ هذا النمط، تتحول الأُمَّــة إلى كيان منزوع الإرادَة، لا يقوى على الاعتراض حين تدور الدوائر عليه.

    وفي هذا السياق، لم تعد القوى المتربصة بالأمة تعتمد على السلاح وحده، بل باتت تستثمر في إخماد الأصوات الحرة، وإضعاف وعي الشعوب، وتزييف الحقائق عبر أدوات إعلامية وسياسية ضخمة تهدف إلى تحويل المظلوم إلى متهم، والجلاد إلى ضحية.

    وهذا ما شدّد عليه السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطبه المتعددة، حين أوضح أن المعركة اليوم لم تعد معركة ميدان فقط، بل هي معركة وعي وصمود وكشف للمؤامرات التي تُدار في دهاليز السياسة العالمية.

    إن الصوت الحر الذي يفضح هذه المشاريع أصبح جزءًا من القوة الاستراتيجية التي تحافظ بها الشعوب على استقلالها وكرامتها، وهو سلاح لا يقل أهميّة عن صمود الجبهات وقدرة الميدان.

    إن أخطر ما في الصمت أنه يشرعن الباطل دون أن يطلب منك أحد الموافقة عليه.

    ومع مرور الوقت، يصبح الصامت شريكًا غير معلن في تمدد الظلم، ويستيقظ يومًا على واقع صنعه بيده حين اختار السكوت بدلًا من المواجهة.

    إنها لحظة الوعي المتأخر التي لا تجدي حين تكون الحقائق قد استقرت والموازين قد انقلبت.

    وفي ظل تصاعد الاغتيالات، والتضليل الإعلامي، والتحالفات التي تحاول طمس جرائم الاحتلال، تصبح كلمة الحق جزءًا من مقاومة واعية تحارب على جبهة الوعي، لا على حدود الجغرافيا فقط.

    فالكلمة الصادقة اليوم قد تكون أهم من الرصاصة؛ لأنها تكشفُ وتفضح وتمنح الشعوب قدرة على إدراك ما يُحاك ضدها.

    إن الشعوب التي تصمت تُهزم قبل أن تُحارب، والأمم التي تتخلى عن صوتها تفقد قدرتها على الدفاع عن وجودها وهويتها.

    ولذلك، سيظل قولُ الحق واجبًا لا يسقط تحت ضغط الخوف ولا تعب الظروف؛ لأن الحق بلا صوت يشبهُ سيفًا بلا نصل.. لا يُدافع ولا يُهاب.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    شاهر أحمد عمير

    spot_imgspot_img