تعيش المحافظات الشرقية من اليمن حالة غليان غير مسبوقة تنذر بانفجار “المعركة الكبرى” بين الفصائل الموالية للسعودية والإمارات، بعد فشل الوساطات الأخيرة وتصاعد التحركات الميدانية المتبادلة.
وفي حين دفعت أبوظبي بتعزيزات ضخمة نحو الهضبة النفطية في حضرموت لإطباق الحصار على مناطق النفوذ السعودي، ردّت الرياض بإرسال قوات وعتاد عسكري عبر مطار سيئون ومنفذ الوديعة، في مؤشر واضح على استعداد الطرفين لخوض مواجهة مفتوحة على منابع “الذهب الأسود”.
ويأتي هذا التصعيد الحاد بعد أيام من انهيار المفاوضات بين “الانتقالي” وحلف القبائل وفشل مبادرة الوساطة التي تقدّم بها العميد سليمان بن غانم، ليتحول المشهد سريعاً من محاولات التهدئة إلى استعدادات صريحة للقتال. ومع توتر الأجواء، صدرت تهديدات سعودية مباشرة بقصف المنشآت النفطية في حال استمرار التحشيدات الإماراتية، فيما لوّحت أبوظبي بالرد عبر فصائلها في الساحل والوادي.
وفي خضمّ هذا الانفجار المرتقب، برزت تحركات سياسية مفاجئة، حيث أعاد حميد الأحمر، القيادي في حزب الإصلاح، استدعاء ورقة “الحوثي” كورقة ابتزاز إقليمي، مهدِّداً بإعادة صياغة التحالفات إذا استمرت الحرب على مصالحه النفطية في مأرب وحضرموت، بينما تراجع طارق صالح عن دعم الإمارات في حضرموت بعد تلقيه تهديدات سعودية مباشرة بقصف معقله في المخا.
وفي التفاصيل، دفعت الفصائل الإماراتية التابعة لـ“المجلس الانتقالي الجنوبي” بتعزيزات عسكرية ضخمة من مطار الريان في ساحل حضرموت ومن شبوة، محملة بالمدرعات والمدفعية الثقيلة، في محاولة لتطويق قوات “المنطقة العسكرية الأولى” وحلف القبائل المدعوم سعوديًا. هذه التحركات جاءت بعد فشل وساطة إماراتية قادها العميد سليمان بن غانم، تضمنت إخراج القوات الموالية للرياض من وادي حضرموت، وإعادة عمرو بن حبريش إلى منصبه السابق.
في المقابل، اقتحمت قوات “العسكرية الأولى” مخيم اعتصام لأنصار الانتقالي في سيئون، وفضّته بالقوة بعد انتشارها في محيط شارع الستين، لتوجه بذلك رسالة عسكرية مباشرة لأبوظبي بأن “حضرموت ليست عدن الثانية”.
تزامن هذا التحرك مع وصول تعزيزات سعودية ضخمة إلى مطار سيئون ومنفذ الوديعة، شملت 200 عربة قتالية وطائرة شحن عسكرية تحمل عتادًا متطورًا لفصيل “درع الوطن”، في مؤشر على تحول الصراع إلى مواجهة مفتوحة بين الرياض وأبوظبي داخل الأراضي اليمنية.
وفي خضم هذا التصعيد، اندلع تراشق إعلامي حاد بين النخب السعودية والإماراتية، وصل إلى مستوى التهديدات المتبادلة. فبينما هاجم ضاحي خلفان وعبدالخالق عبدالله السعودية ووصفا فصائلها بـ“الإخوان”، ردت شخصيات سعودية مؤثرة بوصف الإمارات بأنها “تعبث بالنار وستحترق بها”، متوعدة إياها بـ“هزيمة في اليمن لا تقل إيلامًا عن السودان”.
وسط هذه العاصفة، دخلت روسيا على خط الأزمة، حيث وصل السفير الروسي في اليمن يفغيني كودروف إلى عدن والتقى عيدروس الزبيدي، حاملاً، وفق مصادر دبلوماسية، رسالة سعودية تحذر من التمادي العسكري، في حين تسعى موسكو للعب دور “الوسيط التكتيكي” بين الطرفين.
لكن المشهد ازداد تعقيدًا مع دخول حميد الأحمر على الخط. فالأخير، المقيم في تركيا، أطلق تصريحات مثيرة هدّد فيها صراحة بالاستعانة بـ“أنصار الله (الحوثيين)”، مستعرضًا الانقسام الحاد داخل معسكر التحالف، ومشيرًا إلى أن “غياب القيادة الموحدة جنوب وشرق اليمن يفتح الباب أمام تحالفات جديدة”.
وتأتي تصريحات الأحمر في وقتٍ تتكشف فيه خسارته لحقول ومصالح نفطية ضخمة في مأرب وحضرموت كان يديرها عبر واجهات اقتصادية أجنبية منذ 2011، ما دفعه – وفق مراقبين – إلى استدعاء ورقة الحوثيين كأداة ضغط سياسية على السعودية والإمارات، خصوصًا بعد تسريبات عن ترتيبات سعودية لاستهداف آخر معاقله في مأرب.
في المقابل، برز تطور آخر أربك المشهد العسكري حين انسحب طارق صالح، قائد الفصائل الموالية للإمارات في الساحل الغربي، من المشاركة في معركة حضرموت بعد تلقيه تهديدات سعودية مباشرة بقصف معقله في المخا. وأكدت مصادر بمكتبه أن طارق فضّل الانسحاب “لتجنب تفجير جبهة جديدة مع الرياض”، خصوصًا بعد أن وصفت قناته الرسمية “الجمهورية” القوات السعودية بـ“المليشيات”، وهاجمت عمرو بن حبريش ووصمته بـ“المتمرد”.
أعقب ذلك هجوم إعلامي سعودي مكثف على طارق صالح، وصل إلى التحريض عليه واتهامه بالإعداد لهجوم على مأرب، بعد تداول صور في المخا كتب عليها: “المخا ومأرب وطن واحد”.
كل هذه التطورات تؤكد أن التحالف السعودي–الإماراتي يعيش لحظة الانفجار الكبرى. فالصراع لم يعد حول النفوذ فحسب، بل تحول إلى معركة بقاء سياسية واقتصادية، عنوانها السيطرة على هضبة النفط الحضرمية، وآلتها الفصائل المتناحرة التي كانت يوماً تقاتل تحت راية واحدة.
