في مشهد رياضي–سياسي متكرر يعكس رفضًا قاطعًا لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، انسحبت لاعبة التايكواندو الإيرانية روجان غودارزي من بطولة دولية في كينيا، بعدما أوقعتها القرعة في مواجهة مباشرة مع لاعبة من الكيان الصهيوني، وفق ما أوردته وسائل إعلام إيرانية محلية الأربعاء، في خطوة تحمل “رسالة سياسية واضحة” تتجاوز حدود المنافسة الرياضية البحتة.
وذكرت وكالة «إيسنا» الإيرانية أن «روجان غودارزي انسحبت من المنافسات في بطولة العالم للتايكواندو تحت 21 عاماً لأنها كانت في المجموعة عينها مع لاعبة من الكيان الصهيوني»، موضحة أن اللاعبة الإيرانية كان من المقرر أن تواجه منافستها من الكيان في الدور الأول، الأمر الذي دفعها إلى اختيار الانسحاب على خوض نزال يُعدّ، في الوعي الإيراني الشعبي والرسمي، تطبيعًا رياضيًا مرفوضًا مع عدو يحتل أرضًا عربية وإسلامية.
وبحسب الوكالة، احتج مسؤولون إيرانيون على وضع لاعبة إيرانية في المجموعة ذاتها مع لاعبة إسرائيلية، واعتبروا ذلك استفزازًا لموقف طهران الثابت من الكيان الصهيوني، غير أن الاتحاد الدولي للتايكواندو أكد أنه لا يمكنه تعديل جدول المنافسات، ما وضع غودارزي أمام خيارين لا ثالث لهما: مواجهة رياضية مرفوضة سياسيًا أو انسحاب منسجم مع قناعاتها وقواعد بلدها، فاختارت الطريق الثاني.
وتأتي هذه الخطوة رغم أن غودارزي كانت قد أحرزت الشهر الماضي الميدالية البرونزية في فئة وزن ما دون 51 كلغ ضمن ألعاب التضامن الإسلامي في الرياض، ما يعني أن الانسحاب لم يكن خَسارة رياضية عابرة، بل تضحية بمسار بطولة دولية لصالح موقف مبدئي، في سياق سياسة رياضية رسمية وشعبية في إيران ترى في مواجهة لاعبي الكيان الصهيوني اختراقًا للخط الأحمر المتعلق بالاعتراف به ككيان طبيعي في الساحات الدولية.
وتشير الحادثة إلى استمرارية نهج رياضيين إيرانيين منذ سنوات في تجنّب مواجهة لاعبي الكيان الصهيوني، عبر الانسحاب أو طلب الاستبعاد أو تقديم شهادات طبية، بما يجعل من “المقاطعة الرياضية” إحدى أدوات التعبير عن الموقف السياسي من الاحتلال. هذا النهج لا يخلو من كلفة شخصية ومهنية، إذ يتعرض بعض الرياضيين لعقوبات قاسية إن هم خالفوا هذا المسار.
وفي هذا السياق، يذكّر التقرير بأن السلطات الإيرانية فرضت في آب/أغسطس 2023 حظراً مدى الحياة على الرباع مصطفى رجائي، وذلك بعدما صافح منافساً إسرائيلياً خلال بطولة في بولندا، في خطوة عكست حزم المؤسسة الرياضية الإيرانية في التعامل مع أي مظهر من مظاهر التطبيع مع الكيان.
كما يشير إلى حالة لاعب الشطرنج الموهوب علي رضا فيروزجا، الذي غادر بلاده بعدما منعه الاتحاد الوطني من المشاركة في بطولة العالم عام 2019 خشية أن يواجه لاعباً إسرائيلياً، ويحمل فيروزجا حالياً الجنسية الفرنسية.
وبين انسحاب روجان غودارزي، والعقوبات بحق رياضيين خالفوا خط المقاطعة، وهجرة آخرين تجنباً للصدام مع السياسات الرسمية، تتبلور صورة مشهد رياضي شديد التسييس، حيث لا تعود المنافسة مجرّد نزال على بساط أو طاولة، بل ساحة امتداد لصراع سياسي وأخلاقي أوسع مع الكيان الصهيوني، عنوانه لدى شريحة عريضة من الرياضيين والجماهير في إيران والمنطقة: “لا اعتراف، لا مواجهة، لا تطبيع… حتى زوال الاحتلال”.
