المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    المخطّط الصهيوني في الجنوب وحتمية تطهير كُـلّ شبر

    تتصاعدُ وتيرةُ الصراع الداخليِّ في الساحة اليمنية المحتلّة، حَيثُ...

    “اتفاق واشنطن” بين رواندا والكونغو الديمقراطية.. سلامٌ على الورق وسباقٌ أمريكي محموم لنهب معادن الأرض

    في مشهدٍ احتفالي حمل في طيّاته أبعادًا استراتيجية تتجاوز حدود القارة الأفريقية، استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس، في معهد الولايات المتحدة للسلام، كلاً من بول كاغامي رئيس رواندا وفيليكس تشيسيكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، لتوقيع اتفاقية السلام المعروفة باسم “اتفاقيات واشنطن”، التي وصفتها الإدارة الأمريكية بأنها “تاريخية”، بينما رآها محللون خطوةً مدروسة لتكريس النفوذ الأمريكي على ثروات القارة.

    ترامب بين “صانع السلام” و”تاجر المعادن”

    وبحسب شبكة فوكس نيوز، فقد أكد ترامب أن واشنطن “توافق على شراء المعادن النادرة من رواندا والكونغو الديمقراطية”، في ما يُعدّ اعترافًا صريحًا بتحويل ملف السلام إلى صفقة اقتصادية تهدف لضمان الهيمنة الأمريكية على الكوبالت والكولتان والذهب—المكونات الأساسية لصناعة البطاريات والطاقة الحديثة—ومنع الصين من إحكام قبضتها على هذه الموارد الاستراتيجية.

    وفي كلمته، حاول ترامب الظهور بمظهر “رجل السلام العالمي”، ملمحًا إلى أحقيّته بـ جائزة نوبل للسلام، في الوقت الذي لا يخفي فيه مراقبون أن الاتفاق يحمل أجندة استغلالية صريحة، تُعيد إلى الأذهان أساليب “الاستعمار الاقتصادي الناعم”، حيث السلام يُستخدم بوابةً للنفوذ والسيطرة.

    اتفاق سلام على ركام الحرب

    الاتفاق الجديد يُعيد إحياء تفاهمات يونيو الماضي، التي تضمنت وقفًا دائمًا لإطلاق النار، ونزع سلاح المليشيات غير الحكومية، وتأمين عودة اللاجئين، إلى جانب بندٍ مستحدث حول “التكامل الاقتصادي الإقليمي”، الذي يتيح للولايات المتحدة وشركاتها الاستثمار في قطاعات التعدين والنقل بين البلدين.

    ورغم الطابع الاحتفالي للمراسم، إلا أن القتال لم يتوقف في إقليم جنوب كيفو، حيث لا تزال المعارك مستعرة بين الجيش الكونغولي ومتمردي حركة “إم 23” المدعومة من كيغالي. وفي ظل الاتهامات المتبادلة، تبدو الهدنة هشّة ومؤقتة، في وقت يرى فيه محللون أن “اتفاق واشنطن” لا يوقف الحرب بقدر ما يُعيد تنظيم المصالح الدولية في قلب أفريقيا.

    مراسم بروتوكولية.. وأطماع اقتصادية مكشوفة

    بدأت المراسم بلقاءات منفصلة بين ترامب وكلٍّ من الرئيسين، قبل اجتماع ثلاثي في المكتب البيضاوي، ثم الانتقال إلى معهد السلام حيث وُقّعت وثيقتان:

    1. وثيقة السلام النهائية الموقعة بالأحرف الأولى في يونيو الماضي.
    2. وثيقة التكامل الاقتصادي التي تُكرّس شراكة استراتيجية ثلاثية (كونغولية – رواندية – أمريكية).

    وحضر التوقيع قادة أفارقة من كينيا وأنغولا وبوروندي وتوغو، في خطوةٍ تهدف إلى منح الاتفاق غطاءً إقليميًا وشرعية سياسية، غير أن مصادر دبلوماسية أكدت أن البنود الاقتصادية كانت الركيزة الحقيقية للمفاوضات، فيما ظلّت الملفات الإنسانية والأمنية في الهامش.

    واشنطن تضع يدها على شريان المعادن

    تُعدّ جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر منتج للكوبالت في العالم (أكثر من 70%)، وتملك 60% من احتياطيات الكولتان المستخدمة في الصناعات الإلكترونية والفضائية. وتشير بنود الاتفاق إلى تخصيص مشاريع استثمارية أمريكية مشتركة لتكرير هذه المعادن داخل رواندا، ونقلها عبر الموانئ الشرقية بدلاً من الصين.

    وبينما تصف المتحدثة باسم الحكومة الكونغولية تينا سلامة الاتفاق بأنه “شراكة سيادية لا مقايضة”، يرى خبراء أن ما يجري هو “تبادل السلام بالمعادن”، وأن واشنطن تستخدم الملف الأمني لتأمين خطوط الإمداد الصناعية لعقود قادمة.

    سلامٌ على الورق.. ونيرانٌ على الأرض

    ورغم الصور المتبادلة في البيت الأبيض والمصافحات أمام عدسات الكاميرات، تستمر المعارك على الأرض بلا توقف، خصوصًا في محيط غوما وبوكافو، حيث تتبادل الأطراف الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار. ويرى مراقبون أن غياب الثقة بين كاغامي وتشيسيكيدي يجعل من “اتفاق واشنطن” هدنة هشة قد تنهار في أي لحظة.

    ويبدو أن ترامب لا يهدف فقط إلى حيازة لقب “صانع السلام”، بل إلى تحويل القارة الأفريقية إلى منجم مفتوح للشركات الأمريكية تحت غطاء “الاتفاقات الإنسانية”. ومع ذلك، فإن استمرار القتال في كيفو، واستغلال ملف المعادن في لعبة المحاور الدولية، يؤكد أن “اتفاق واشنطن” ليس نهاية الحرب… بل بداية فصل جديد من الصراع على ثروات أفريقيا.

    spot_imgspot_img