في خطوة تصعيدية جديدة، انفجرت عدن، اليوم الإثنين، بمواجهة مباشرة بين السعودية والإمارات بمعركة “السماء والأرض”، حيث طرد الإنتقالي الجنوبي الموالي للإمارات قوات “درع الوطن” الموالية للسعودية ومنع دخول تعزيزاتها الى عدن، وردت الأخيرة والأخيرة بالانسحاب من معسكرات عن طريق طائرة شحن كبيرة وقامت بفرض حظر جوي شامل.
وتعيش مدينة عدن على وقع تصعيد عسكري وسياسي غير مسبوق بين فصائل مرتزقة التحالف، بعد أن تحوّلت اليوم الإثنين إلى بؤرة اشتباك بارد بين الحليفين اللدودين: السعودية والإمارات، في مشهدٍ يعكس انفجار التناقضات داخل التحالف الذي يقود الحرب على اليمن منذ تسع سنوات.
ففي ساعات الصباح الأولى، منعت فصائل تابعة للإمارات دخول رتل عسكري تابع لقوات “درع الوطن” السعودية من المدخل الشرقي للمدينة، مجبرةً إياه على العودة من منطقة العلم، في حادثة اعتُبرت إعلان مواجهة صريحة بين أدوات الطرفين على الأرض.
وأكد القيادي اليمني “عادل الحسني” أن الرتل الذي يضم تعزيزات عسكرية سعودية كان قادماً من الحدود الشمالية، وأن منعه جاء بأوامر مباشرة من قيادة ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي بعد إدراج أبوظبي لتشكيلات “درع الوطن” ضمن ما سمّته “قائمة الإرهاب”.
ويُعد ميليشيا “درع الوطن” أحدث أدوات السعودية العسكرية في الجنوب، أنشئ مؤخرًا كموازٍ لقوات الانتقالي ويضم عناصر سلفية جنوبية تحت إشراف مباشر من قائد الدعم والإسناد السعودي سلطان البقمي.
تأتي هذه الحادثة في لحظةٍ مشحونة سياسياً وأمنياً، إذ تخشى الإمارات من أن تستخدم الرياض قوات “درع الوطن” لاقتحام عدن أو تحجيم نفوذ الانتقالي، خصوصاً بعد تصعيد المجلس بدعم إماراتي في الهضبة النفطية شرق اليمن، وهو ما اعتبرته الرياض تجاوزاً لخطوطها الحمراء.
وفي خطوةٍ وُصفت بأنها “ضربة استراتيجية مضادة”، أقدمت السعودية على سحب قواتها من عدن صباح اليوم عبر طائرة شحن عسكرية ضخمة، في عملية إجلاء تمت بسرية مشددة من داخل معسكرات التحالف ومقر القيادة المشتركة.
وأكدت مصادر ملاحية في مطار عدن أن العشرات من الجنود السعوديين نُقلوا جواً إلى الرياض، فيما صدرت أوامر فورية بإغلاق المجال الجوي اليمني ومنع أي رحلات مدنية أو عسكرية من الإقلاع أو الهبوط، بما في ذلك إيقاف التراخيص للطيران المدني بشكل شامل.
تزامناً مع ذلك، توقفت جميع الرحلات الجوية من وإلى مطار عدن الدولي، مما أدى إلى احتجاز مئات المسافرين في مطاري الرياض وعدن، وإلغاء الرحلات المقررة إلى القاهرة وجدة، وإعادة الركاب إلى صالات الانتظار وسط حالة من الفوضى والارتباك.
وأكدت مصادر داخل المطار أن الإغلاق تم بأوامر سعودية مباشرة بعد قيام فصائل الإمارات بإبعاد القوات السعودية والسودانية من محيط المطار، وهو ما فُسّر كـ ردّ سريع على الإهانة الميدانية التي تلقتها الرياض على يد شريكها القديم.
وبحسب مراقبين، فإن قرار السعودية بإغلاق الأجواء اليمنية واستخدام ورقة المجال الجوي كوسيلة ضغط سياسي وعسكري يمثل تحولاً استراتيجياً خطيراً في إدارة الصراع داخل التحالف، ويؤشر إلى تفكك عملي لمنظومة التنسيق السعودي–الإماراتي التي ظلت تمسك بزمام القرار جنوب اليمن.
ويؤكد محللون أن الانسحاب السعودي من عدن ليس انسحاباً تكتيكياً بل إعادة تموضع مدروس يهدف إلى إعادة خلط الأوراق في الجنوب، وتهيئة الأرضية لمواجهة قادمة بين قوات “درع الوطن” والانتقالي.
كما يُنظر إلى إغلاق المجال الجوي باعتباره رسالة تحذير صريحة من الرياض لأبوظبي: أن السيطرة على عدن والمجال الجوي اليمني خط أحمر سعودي لا يُسمح بتجاوزه.
في المقابل، يرى آخرون أن أبوظبي تسعى لفرض أمر واقع ميداني في الجنوب عبر توسيع نفوذ الانتقالي وحرمان السعودية من أي موطئ قدم في الموانئ والمطارات الحيوية، خصوصاً بعد نجاحها في فرض سيطرة شبه كاملة على الهضبة النفطية في حضرموت والمهرة.
المشهد الحالي في عدن إذن لا يُعبّر عن أزمة عابرة، بل عن انفجار تحالف الحرب من الداخل، وتحول ساحة الجنوب إلى ميدان اختبار الإرادة بين القوتين الخليجيتين.
وإذا ما استمر هذا التصعيد المتبادل، فإن الأيام القادمة قد تشهد صداماً مباشراً بين فصائل الطرفين داخل عدن أو في الموانئ الحيوية في بحر العرب، بما ينذر بـ تغيّر جذري في خريطة السيطرة والنفوذ في اليمن بأكمله.
