ذات صلة

الأكثر مشاهدة

مسرحية الاحتلال لتمزيق اليمن

إن ما تقوم به دول العدوان والإحتلال الصهيو -...

تحليل “أنس القاضي” لـ“معركة النفوذ” بين الرياض وأبوظبي في حضرموت والمهرة

تشهد المحافظتان الشرقيتان حضرموت والمهرة تحوّلات ميدانية عميقة تعيد...

تحليل “أنس القاضي” لـ“معركة النفوذ” بين الرياض وأبوظبي في حضرموت والمهرة

تشهد المحافظتان الشرقيتان حضرموت والمهرة تحوّلات ميدانية عميقة تعيد رسم خريطة السيطرة في الشرق اليمني، في ما يمكن وصفه بأنه أوسع عملية إعادة توزيع للنفوذ العسكري والسياسي الأجنبي منذ عام 2015م.

وتدور هذه التحوّلات ضمن ثلاثة مسارات متقاطعة: التمدد الإماراتي عبر المجلس الانتقالي خارج السقف المرسوم له، والقلق السعودي من تغيّر موازين القوة بما يهدد أمنها وممرات النفط، وانهيار البنى العسكرية المحلية التي شكلت خط الدفاع الأول في الشرق.

أمام هذا المشهد، انتقلت الرياض من سياسة “الإدارة من الخلف” إلى سياسة المواجهة المباشرة، فأطلقت يد قوات “درع الوطن” كأداة جديدة للنفوذ السعودي، ما شكّل انعطافة استراتيجية في موازين القوة داخل المحافظات المحتلة، وفتح الباب على مرحلة جديدة من التنافس المكشوف بين الحليفين اللدودين في التحالف.

في حضرموت، بدت الأحداث وكأنها تبديل سريع بين أدوات الاحتلال. فبعد إعلان “الانتقالي الجنوبي” سيطرته على مناطق واسعة من وادي حضرموت، واجه خلال ساعات سلسلة هجماتٍ مباغتة في العبر وسيئون، أظهرت هشاشته الميدانية وفقدانه للقدرة على العمل في بيئة معادية. كما كشفت الهجمات عن انعدام الحاضنة المحلية وغياب الأمان اللوجستي لتحركاته.

وفي ظل هذا الارتباك، دخلت قوات “درع الوطن” الموالية للرياض إلى المشهد بقوة، واستلمت مواقع اللواء 23 ميكا ومناطق العبر ومحيط الخط الدولي، ما مثّل تحوّلاً محورياً في مركز الثقل الميداني نحو السعودية. وبذلك منعت الرياض “الانتقالي” من فرض أمر واقع على خطوط التجارة والنفط والمنافذ الحدودية، وأعادت ضبط المشهد بما يضمن مصالحها وأمن حدودها الجنوبية.

أما في المهرة، فقد اختارت السعودية نموذج “الإحلال الناعم” دون مواجهات مفتوحة، فاستلمت قوات “درع الوطن” معسكر نشطون، ومطار الغيضة، والسجن المركزي، والجوازات، ومقار الاستخبارات دون مقاومة تُذكر، رغم أن الانتقالي كان قد رفع أعلامه عليها مؤخراً. وهكذا أصبحت المهرة تحت السيطرة السعودية الكاملة، مانحةً محمد بن سلمان قبضة استراتيجية على المنافذ البرية والبحرية الممتدة إلى بحر العرب.

وفي بنية هذا المشهد الجديد، تمثل قوات “درع الوطن” الذراع العسكرية السعودية لإعادة هندسة المشهد الأمني.

تتوزع هذه القوة على عدة محاور حساسة: في المهرة بقيادة عبدالله بن سديف، لتأمين المطار والموانئ والمقار الأمنية؛ وفي وادي حضرموت، لواءان خلفاً للواء 23 ميكا؛

وعلى الطرق الدولية، فرقة بقيادة فهد بامؤمن تضم أبناء المحافظات النفطية، في انتشارٍ يعكس دقة التخطيط السعودي لإحكام السيطرة على الموارد وخطوط الإمداد.

إنها قوة موازية للإخوان والانتقالي في آنٍ واحد، ذات طابعٍ سلفي يضمن الولاء المباشر للرياض دون ارتباطٍ سياسي يهدد مصالحها.

في المقابل، بدأ “الانتقالي” بالتحول من لاعب ميداني إلى ورقة ضغط محدودة. فبعد دخوله حضرموت بزخمٍ إعلامي تحت شعار “عملية المستقبل الواعد”، واجه تراجعاً حاداً تمثل في نزع أعلامه الانفصالية من المواقع، وصدور أوامر سعودية بعودة قواته إلى معسكراتها، وانهيار خطوط الإمداد أمام هجمات متكررة.
أصبح “الانتقالي” اليوم قوة مقيدة داخل مربعات نفوذها، مهددة بخسارة ما تبقى من حضورها إذا واجهت “درع الوطن” عسكرياً.

في الاتجاه الاستراتيجي، تسعى السعودية إلى تثبيت مركزية القرار الأمني بما يضمن احتكار إدارة المشهد في الشرق. لقد تجاوزت مرحلة التنسيق إلى مرحلة فرض الوقائع الميدانية عبر نموذج مزدوج:

ضغط سياسي عبر الإنذارات والتهديدات، وتحرك عسكري ميداني يضع المرتزقة السلفيين في الواجهة بدلاً من الانتقالي والإخوان.

وبهذا تعيد الرياض تعريف “الانتقالي” من قوة هيمنة إلى أداة ثانوية داخل المعادلة الجديدة. أما الإمارات، فتواجه تراجعاً واضحاً في قدرتها على التأثير الميداني.

فقد خسرت مواقع حيوية، وتراجع نفوذها في حضرموت والمهرة لصالح الرياض، بينما تواجه فصائلها حالة شللٍ ميداني. ومع أن أبوظبي تتجنب المواجهة العلنية حالياً، إلا أن الصمت لا يعني الرضا؛ إذ قد تلجأ لاحقاً إلى تحريك أدواتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لإعادة التوازن في مناطق النفوذ.

يتضح ذلك في خطاب عيدروس الزبيدي الذي حاول تلطيف الهزيمة بتصريحات عن “دولة الجنوب الفيدرالية الحديثة”، في إشارةٍ إلى أن مشروع الانفصال لم يمت لكنه بات رهينة الحسابات الإقليمية.

خلاصة القول إن حضرموت والمهرة تشهدان لحظة إعادة هندسة جذرية للمشهد الاستراتيجي في الشرق اليمني، حيث تتبلور ثلاث قوى رئيسية في معادلة السيطرة الجديدة: قوات “درع الوطن” كقوة مركزية سعودية تمسك بالمنافذ والمقار الأمنية والمطارات؛ “الانتقالي” كأداة فقدت القدرة على إنتاج نفوذ مستقل؛
والإمارات كفاعلٍ متراجعٍ يراقب بحذر مسرحاً كان يوماً ساحة نفوذه الأوسع.

لكن ما يحدث لا يمثل نهاية اللعبة بل بداية مرحلة أكثر تعقيداً، إذ من غير المستبعد أن تشن أبوظبي هجمة مضادة لإعادة التوازن في الشرق، خصوصاً في المناطق النفطية الحساسة. وإذا خرجت المنافسة بين الرياض وأبوظبي عن السيطرة، فإن الشرق اليمني قد يتحول إلى جبهة صدامٍ مباشرٍ بين وكلاء الحلفاء القدامى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنس القاضي

spot_imgspot_img