المشهد اليمني الأول/

 

في الوقت الذي تشاركُ الإماراتُ بشكل كبير في قتل وحصار وتجويع الملايين من أبناء الشعب اليمني بمساعدة ودعم سياسيّ وعسكريّ من العالم الغربي، تستضيفُ أبو ظبي بابا الكنيسة الكاثوليكية ضمن ما وصف بحملة علاقات عامة إماراتية كبيرة لتصويرِ الإمارات حمامة سلام وتسامح تحت عنوان الأخوّة الإنْسَانية، مستعيرةً دوراً تمثيلياً للأزهر الشريف؛ لتأدية دور الإسْلَامي المقابل لدور الكنيسة الكاثوليكية.

 

 

الإماراتُ التي لا تقبَلُ بالحرية الدينية أَو أية فعاليات دينية في أراضيها إلّا بتصريح مسبق من السلطات التي لا تمنح إلّا حسب ما يوافق أهواء حكامها، تتحدث عن التسامح، الإمارات التي تعادي دولاً وجماعاتٍ وحركات إسْلَامية، تدّعي أنها مع تقارب الأديان، الإماراتُ التي ترسِلُ طائراتها لتقتُلَ الشعبَ اليمني وتحاصرَهم وتشتري المرتزِقة من جميع أنحاء المعمورة تحت شعاراتٍ مذهبية وطائفية ودعاوى محاربة المجوس، تحاول أن تُظهِرَ من خلال زيارة البابا بلباس القبولَ بالآخر.

 

 

الزيارةُ تأتي على وقع قذائف المرتزِقة التي تدُكُّ مديرية الدريهمي في الساحل الغربي بالحديدة اليمنية وتحاصِرُ عشرات الآلاف من المدنيين هناك منذ أَكْثَـرَ من ثمانية أشهر، وتسببت بنزوح الآلاف أَيْضاً؛ بسببِ الغزو الإماراتي.

 

 

عن أية أخوّة إنْسَانية تتحدث الإمارات، وهي قد تجاوزت معاني الأخوّة العربية، وحقوق الجوار، وتعادي كُـلّ ما يمت إلى الإسْلَام بصلة، سواء حكومات أَو جماعات، أَو حركات، وصنفت كثيراً من هذه الحركات المناهضة للوجود الصهيوني الجاثم على المقدسات الإسْلَامية وصنفتها إرْهَابية.

 

 

وقبيل وصول البابا إلى أرض الأشرار الجدُد، كانت المنظماتُ الحقوقية الدولية قد وجّهت انتقادات شديدة لهذه الزيارة ووصفتها منظمة العفو الدولية بانها مجرد اجتماعات رمزية للتغطية على سجل الإمارات المروع في مجال حقوق الإنْسَان ووضعت قائمة من المطالب الحقوقية والإنْسَانية على طاولة البابا وحكام الإمارات.

 

 

كذلك منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية طالبت البابا فرانسيسكو بالاستفادة من زيارته إلى الإمارات للضغط على حكومتها من أجل وقف الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي ترتكبها قُــوَّاتها في اليمن، وإنهاء قمع المنتقدين في الداخل.

 

 

وفي رسالة إلى البابا قالت ووتش: إن للإمارات دوراً بارزاً في العمليات العسكريّة باليمن، من قصف المنازل والأسواق والمدارس وعرقلة المساعدات الإنْسَانية واستخدام الذخائر العنقودية.

 

 

أقلُّ هذه الفظائع كانت كفيلةً بأن لا يقبَلَ بابا الفاتيكان الدعوة التي قدمت له قبل عدة شهور لزيارة أَعْــدَاء الإنْسَانية، أَو على الأقل أن يلغيها، بعد أن يتسمع إلى رأي كبريات المنظمات الدولية المستقلّة.

 

 

على أن هناك تقاريرَ موثقة لسجل الإمارات الأسود في اليمن وفي الداخل الإماراتي، أبرز تلك التقارير هو تقريرُ فريق الخبراء المستقلّين التابع لمجلس حقوق الإنْسَان، وكذلك فريق خبراء لجنة العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي، كلها تنطقُ بتوحش حكام الإمارات، وتوثق بطشهم وجرائمهم بحق المدنيين في اليمن، القتل والحصار والإخفاء القسري، والتعذيب في السجون… إلخ.

 

 

وبالإضافة إلى السجل الإماراتي الأسود في اليمن أثارت المنظماتُ الدولية مسائلَ انتهاك الخصوصية والقرصنة الإلكترونية والتجسُّس وإخراس المعارضين والمنتقدين من ناشطين ومحامين وأكاديميين وصحفيين.

 

 

ولا نخفي هنا أن الإمارات، على عكس البابا، قد اختار التوقيتَ المناسبَ بعد كُـلّ هذا الكم من الجرائم والتقارير عن دورها فيها، لعلَّها تبيِّضُ بعضَ صفحاتها بدعاوى الإنْسَانية والتسامح، وتغطّي بشاعةَ الوجه الحقيقي لها، الذي أصبح الوجهَ الأَكْثَـر بشاعة بعد وجه الرياض، على مستوى العالم والرأي العام العالمي.

 

 

تجدُرُ الإشارة هنا أن حديثَ البابا فرانسيس قبيلَ مغادرة الفاتيكان إلى أبو ظبي: إن (صرخات الأطفال والآباء في اليمن ترتفع إلى الله)، هذا الحديثُ يؤكّــدُ أن البابا يدركُ جيداً فظاعة ما تقومُ به الإمارات في اليمن لا سيما بحق الأطفال والنساء، وهنا يأتي سؤال مهم: كيف ورّط بابا الفاتيكان نفسَه في الاشتراك بلُعبة العلاقات العامة الإماراتية وغسيل الجرائم في اليمن على هذا النحو الذي يمُسُّ بقيم التسامح، ويصيبُها في مقتل.

 

 

وبشكل عام ينظر إلى الاستعراض الإماراتي بالانفتاح على الأديان وإظهار التسامح كمحاولة لإخفاء حالة التقرُّب من العدوّ الإسرائيلي الغاصب والاتّجاهات المسيحية الصهيونية واليمينية المتطرّفة خُصوصاً في ظل العِداء الإماراتي المعلَن للدول والحركات والجماعات الإسْلَامية لا سيما المقاوِمة للمشروع الصهيوأمريكي.

 

 

بقلم /  علي الدرواني