المشهد اليمني الأول/

أحدث أبطال الجيش واللجان الشعبية زلزالاً عسكرياً كبيراً قيست قوته بسقوط 3 ألوية كاملة العدد والعتاد في البوابة الجنوبية للمملكة السعودية، في عملية «نصر من الله» التي جاءت كنصر كاسح لليمنيين، وبعد سلسلة عمليات كبيرة ناجحة لا تقل أهمية كان مسرحها الجو، واستهدفت العصب الاقتصادي للعدو السعودي، والمتمثل في شركة أرامكو النفطية، فمن خط أنابيب النفط في شرق وغرب المملكة، إلى حقل الشيبة ثم مصفاتي بقيق وخريص، إضافة إلى عدد من المطارات الحربية في عمق المملكة.

في هذا التقرير يتحدث محللون عسكريون وسياسيون عن دلالات هذه العملية النوعية لأبطالنا، وأهمية توقيتها، إضافة إلى تأثيراتها وأبعادها المستقبلية سواء في الجانب الوطني أو في مربع تحالف العدوان على المسارين العسكري والسياسي.

هل ستصمد السعودية؟

يجمع أغلب المحللين على أن عملية «نصر من الله» نصر بري استثنائي كبير سيترتب عليه تغييرات عسكرية كبيرة ستنعكس سياسياً على تحالف العدوان، خصوصاً السعودية، بعد ازدياد العمليات العسكرية لأبطال الجيش واللجان في العمق السعودي، وفي بوابته الجنوبية المهمة (جيزان – نجران – عسير) كماً ونوعاً، فأبطال الجيش واللجان يضربون بقوة ويتحركون حركات مدروسة وواثقة.

ويرى محللون أن اختيار توقيت ومسرح تنفيذ العملية له دلالة وأهمية كبيرة، كما أن إطلاق تسمية «نصر من الله» على العملية، يوحي بأنها ـ واستكمالاً للآية القرأنية ـ سيتبعها «فتح قريب» على الأراضي السعودية، إن لم تجنح المملكة – متصدرة العدوان على اليمن – للسلم، بخاصة وأن أبطال الجيش واللجان يرفعون مستوى ضرباتهم بشكل تصاعدي، بحيث ما يلاحظ مؤخراً أن كل ضربة تأتي أشد من سابقتها.

يقول العميد عبدالله الجفري (محلل عسكري): تكتسب هذه العملية أهمية كبيرة، نظراً لكونها عملية برية حقق فيها أبطال الجيش واللجان نصراً غير مسبوق، بالرغم من انعدام التكافؤ بينهم وبين خصومهم المدججين بأحدث أنواع الأسلحة، ومسنودين بغطاء جوي وكل أنواع الإسناد والدعم، إلا أن أبطالنا ألحقوا هزيمة ساحقة بهم في أكبر استدراج للقوات المعتدية الهجينة من الجنود السعوديين وغيرهم من الجنسيات والمرتزقة اليمنيين، بالإضافة إلى السيطرة على مساحة كبيرة على الأرض.

ويضيف الجفري: عدد قليل من أبطال الجيش واللجان أسقطوا 3 ألوية كاملة للعدو، وتم أسر عدد هائل منهم، وصل إلى نحو 2000 أسير، والاستيلاء على مئات الآليات والمدرعات وكل العتاد العسكري للألوية الثلاثة الساقطة، ولم يتبق مع تحالف العدوان الخاسر سوى طائراته الهجومية أو التجسيية التي لم يتم الاستيلاء عليها!

تخطيط عسكري فائق الدقة

هذه العملية النوعية أكدت بشكل واضح وصريح أن أبطال الجيش واللجان يقاتلون بتكتيكات ناجحة ومعقدة ووفق خطط معدة جيداً، عجز تحالف العدوان بكامل عدته وعتاده وثقله وخبرته العسكرية الأجنبية، عن فهمها أو السبيل إلى تفادي ضرباتها القاصمة.

وبالتالي فإن نجاح عملية «نصر من الله»، لم يكن من قبيل الصدفة، بل كان ثمار عملية مدروسة بعناية وتم التخطيط لها بشكل فائق الدقة، كما يوضح العميد عزيز راشد (محلل عسكري): شاركت في العملية صواريخ وطائرات مسيرة وفرق خاصة، وتمت عملية الاستدراج على مدى أشهر، وكانت ناجحة تماماً، وأحيطت العملية بسرية تامة، وجرى قبلها وخلالها استطلاع حربي وإلكتروني، وتم تنفيذ ضربات استباقية لقواعد العدو العسكرية وغرف عملياته في جيزان ونجران، حيث تمت إعاقة طائرات العدوان وقصفت قواعدها بالصواريخ الباليستية، وتم التصدي لبعضها بأسلحة الدفاع الجوي التي اشتركت في العملية.

بداية السقوط

يرى مراقبون أنه لوحظ بداية الانهيار السعودي عندما عجزت السعودية عن إيجاد طريقة للرد على عملية ضرب منشآت «أرامكو» النفطية في «بقيق» و«خريص»، وهو ما يذهب إليه العميد عزيز راشد، حيث يقول: الجبهة السعودية تتآكل وتصبح أضعف يوماً بعد يوم، وقد تتلقى ضربات أقوى، مع عجزها الكامل عن تحقيق أي تقدم هجومي أو دفاعي في أي مسرح بري أو جوي أو بحري.

ويرى راشد أن المملكة، وفي ظل عدم قدرتها على المواجهة دون تكبد خسائر فادحة، فإن وقف إطلاق النار والتفاوض هو الخيار الأسلم لها، واتجاه إجباري إن أرادت ألا تتمرغ أكثر في الهزائم.

ويؤكد محللون أن حلفاء السعودية الذين كانت تستند عليهم عندما قررت شن عدوانها على اليمن، يعانون ورطاتهم الخاصة، وبدأوا ينفضون من حولها، بشكل أو بآخر، فالإمارات أعلنت أكثر من مرة عن انسحابها من اليمن، في محاولات لتفادي ضربات يمنية قاصمة تطال عمق أراضيها، ورغم الخداع الذي تمارسه الإمارات في تحركاتها، إلا أنه يمكن القول إنها  هربت من المعركة، فلا طاقة لها بتحمل التبعات التي قد تطال أراضيها على هيئة ضربات عسكرية مدمرة من صواريخ ومسيرات الجيش واللجان.

أما الخداع الذي تمارسه الإمارات في تحركاتها، فإن القيادة السياسية اليمنية تدرك ذلك جيداً، وهذا الخداع بحسب قيادات يمنية سينتهي بإرادة الإماراتيين أو بإرادة اليمنيين.

الحليف العربي الآخر مصر تعاني من ورطة سد النهضة الإثيوبي، ولا وقت لديها لتنفقه على حماية السعودية، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس الأمريكي ترامب، الذي يواجه مخاوف عزله عن إدارة البيت الأبيض، وحتى إن ظل داعماً لها ـ كما يوهمها ـ فإن السعودية تعرف جيداً أنه ينهب أموالها مقابل شنه حروباً كلامية، أما أن يخوض حرباً عسكرية خاصة لأجل السعودية فلا يبدو أنه على استعداد لذلك، 

أما حليفه وحليف السعودية والإمارات غير الخفي الإسرائيلي بنيامين نِتنياهو، فقد خسر رأس السلطة في الكيان الصهيوني.

وأما بقية الدول الإسلامية والعربية والخليجية فقد انسحبت من التحالف تدريجياً خلال فترات سابقة، وكل واحدة في همها الخاص، ولم يعد يتبقى للسعودية سوى مخزن المرتزقة السودانيين الذي ما عاد ينفع، فاليمنيون يأسرونهم بالجملة هذه الأيام، وبالتالي فإن محللين يرون أن المملكة ستجد نفسها وحيدة في مواجهة مأزق كبير وضعت نفسها فيه جراء عدوانها على اليمن، ولن تخرج من هذا المأزق إلا بوضع غطرستها وغرورها جانبا، والتحرك بعقلانية.

يقول العميد الجفري: وجه اليمنيون في عملية «نصر من الله» ضربة مزدوجة للتحالف ومن يسانده، وللمظهر العسكري لقوات حلفاء وحماة الخليج الرابضين في القواعد العسكرية لإرهاب المنطقة والعالم، فقد أثبتوا فشل الأسلحة الأمريكية، ونزعوا الثقة منها، كما أثبتوا فشل القواعد الأمريكية في الخليج وزيف قوتها وخبرتها، ونفوا قدرتها على حماية المملكة أو غيرها.

وأضاف الجفري: على المملكة والخليج التفكير بانتهاج سياسات غير عدائية مع الآخرين، لأن أمريكا لن تحميهم ولا هم يستطيعون حماية أنفسهم.

انهيار مركب للتحالف

الانهيار العسكري للجيش الهجين الذي يحارب به تحالف العدوان على اليمن، والذي أظهرته بوضوح عملية «نصر من الله»، خلفه انهيار أكبر في معنويات التحالف بكل مساراته العسكرية والسياسية والإعلامية، وكل مؤيديه من المخدوعين. عملية «نصر من الله» كانت لها تداعياتها المعنوية الكبيرة على الجانب الوطني وفي مربع العدوان، بحسب حديث العميد عزيز راشد، الذي يوضح ذلك بالقول: العملية كان لها تداعيات على الجانبين، ففي جانب الجيش واللجان والشعب اليمني الذي بارك النصر وابتهج به وحمد الله عليه، ترسخت لديه أهمية الصمود والتضحية، وأبرزت لديه استعداده للمضي قدماً، موجهاً مزيداً من الضربات القاصمة والحاسمة للمعتدي، أما على مربع تحالف العدوان فقد عمقت العملية لديهم حجم ما يعانونه من فشل وعجز عن تحقيق أي نصر رغم حشدهم كل ما ظنوا أنها وسائل تحقيق النصر التقليدية أمام المقاتل اليمني، من حشود وآليات وطيران ومال وحصار وإطالة للحرب ناهزت الـ5 أعوام.

من هو الأقوى؟

عملية «نصر من الله» وثقت بالصوت والصورة، مشاهد فرار وأسر حشود كبيرة من مرتزقة العدو السعودي، بالإضافة إلى اغتنام ما خلفوه وراءهم من عتاد عسكري ضخم، ورأى العالم أيضاً كيف تعامل الجيش واللجان بإنسانية وبأخلاق اليمنيين الأصيلة مع الأسرى، فتشكلت صورة قوية حقيقية لدى العدوان وفئاته ومرتزقته وكل من غرر به من الشعب، من هو الأقوى بالحق، والأنبل بالمبادئ والمثل الدينية والإنسانية، والأقدر على أرض المعركة بعد أن اتجه توازن القوى لصالح الجيش واللجان وانكسار العدو بكل قوته وثقله العسكري.

كما أن العملية كبدت العدو خسائر مادية فادحة، حيث يشير العميد راشد إلى أن العتاد الذي دمره واستولى عليه الجيش واللجان والخاص بالألوية الثلاثة الساقطة، يكلف مئات الملايين من الدولارات، وإعادة إعداده من جديد سيكون باهظ الكلفة اقتصادياً على العدوان، كما سيضاف إليه تكاليف مزيد من التدريب والخبراء والخطط التي لن تجدي نفعاً أمام قوة وحنكة أبطال الجيش واللجان.

وأكد أن الخسائر الاقتصادية النازفة من جسد السعودية، والتي تكلفها مليارات الدولارات مع كل ضربة ناجحة للجيش وأخرى خائبة للتحالف، منهكة كثيراً، وستكون من دوافع الجنوح للتفاوض إن كان للسعوديين عقول ومسؤولية تجاه شعبهم وثرواته ومستقبله.

في طريقها للرضوخ

رجح مراقبون ومحللون كثر، ومنهم الكاتب والصحفي الفلسطيني، عبدالباري عطوان، صحة التسريبات الصحفية غير المؤكدة رسمياً، التي تتحدث عن وجود اتّصالات مُباشرة بين الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، ومهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، بعد سلسلة العمليات اليمنية القوية التي كانت آخرها عملية «نصر من الله»، لأن المملكة ـ حسب قوله ـ تبدو غير قادرة على المضي في حرب اليمن، وقد ترتد الصفعات لها بشكل أكبر، خصوصاً بعد الانقلاب في موازين القِوى جوا وبرا، في العامِ الأخير تحديداً، لذا فالسعودية فكرت بالتفاوض قبل فوات الأوان، وهي على أطراف الخسارة، حد تعبيره.

ويشير عطوان إلى أن المكابح السعودية المتأخرة العمل، تأتي الآن قلقاً مما هو أكبر من تلقي هزائم كبيرة في اليمن، وهو التأزم الحاصل داخل الأسرة الحاكمة، فقد نشرت وكالة «رويترز» تقارير موثقة عن وجود حالة غضب متفاقمة داخل أسرة بني سعود تجاه محمد بن سلمان، وحربه الطويلة والمنهكة، والتي تصبح خاسرة في اليمن، ومبالغته في العداء لإيران، وحادثة مقتل حارس سلمان الشخصي اللواء عبدالعزبز الفقم، التي نشرت السلطات السعودية روايات غير مقنعة حولها، تضع كثيراً من التساؤلات عن الوضع داخل الأسرة الحاكمة.

ويضيف: تجاهلت السعودية مبادرة المشاط في البداية، إلا أنها أعلنت الموافقة عليها بشكل جزئي لاحقاً، ربما تمهيدا للوقف الكلي، ولكن بالتدرج في ذلك لحفظ ماء الوجه، وهو ربما ما تفهمته القيادة السياسية اليمنية الوطنية سعياً لتجنّب إهانة الخصم وتسهيل مسيرة تراجعاته وإنهاء عدوانه.

ويختم عطوان: جنوح السعودية بعد هذه العملية للتفاوض بشكلٍ مُباشرٍ، يعني سُقوط «الشرعيّة» المزعومة، وخُروجها من المُعادلة السياسيّة اليمنية داخلياً وخارجياً، واعترافاً بشرعية الشعب اليمني الصامد منذ حوالي 5 سنوات.

تقرير: غازي المفلحي