مقالات مشابهة

سياسة الشيطنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا

المشهد اليمني الأول/

لم تمر عدة أشهر على تسلم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، زمام السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى اتضح للجميع في العالم أن مؤهلاته السياسية ليست على المستوى اللائق برئيس دولة عظمى.

على مستوى السياسة الداخلية والخارجية، شرع ترامب وإدارته على الفور في ابتكار أساليب جهنمية، وألاعيب ملتوية تفتقد إلى النزاهة، وتقترب إلى عالم المؤامرات والدسائس والاتفاقات السرية، أكثر منه إلى عالم السياسة الكبيرة، ورسم خطط استراتيجية كبيرة ومستدامة.

كان الهدف، بطبيعة الحال، هو البقاء في السلطة لثمان سنوات. فاختارت الإدارة لتحقيق هذا الهدف سياسة الشيطنة الداخلية والخارجية، حيث قاموا داخليا بشيطنة الديمقراطيين، بما في ذلك كل الإنجازات والمعاهدات والمؤسسات والإعلام المرتبط بهم، وخلقوا انقساما غير مسبوق في المجتمع الأمريكي،

على أمل أن يجندوا أكبر عدد من الجمهوريين حول حملة ترامب في معركته ضد الديمقراطيين، “الأعداء” الذين يسعون لـ “تدمير” الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل. وتحولت جميع برامج الحزب الديمقراطي، والدفاع عن مصالح الأقليات، والمهاجرين، وبرامج الرعاية الصحية لمحدودي الدخل، إلى “عدوان على المصالح الأمريكية”.

على صعيد السياسة الخارجية، كانت شيطنة روسيا والصين قالبا جاهزا، يمثّل بالطبع “تهديدا مباشرا” للمصالح الأمريكية حول العالم، بينما بدا ترامب أمام المجتمع الأمريكي، مدافعا صنديدا عن تلك المصالح، كي “يجعل أمريكا عظيمة من جديد”، ويحشد بذلك تأييدا جماهيريا واسعا ضد روسيا، التي تقف عقبة في طريق هذه “العظمة”.

على الجانب الآخر، وفي خطابه إلى الأمريكيين، أكد الرئيس المنتخب للرئاسة الأمريكية، جو بايدن، على عزمه إنهاء “سياسة الشيطنة” التي اتبعها دونالد ترامب، والتي عاشت فيها الولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات مضت. ربما يعني ذلك، فيما نتمنى، أن أملا يلوح في الأفق أن تقوم الإدارة الأمريكية الجديدة بتغييرات جذرية في سياساتها الداخلية والخارجية، يمكن أن تفتح آفاق البدء بانفراج دولي يبشر بالاستقرار والتعاون لخدمة البشرية وازدهارها.

لقد كان لسياسة الشيطنة التي اتبعتها إدارة ترامب آثارا مباشرة على القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط، بل يشبهها في ذلك ما يعانيه المجتمع السوري هو الآخر من انقسام حاد، على خلفية من يسعون إلى شيطنة سوريا. وإلا فكيف نفسر الحملة المعادية للمبادرة الروسية الساعية للقيام بنشاط دولي لحل مشكلة اللاجئين والمهجرين السوريين.

لقد وصل العداء لهذه المبادرة إلى حد تصريح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بأن المشاركة في هذا المؤتمر هي “جريمة”. وهنا أطرح سؤالي عن أي “جريمة” يتحدثون؟ فهل الجهود لتقديم مساعدات للاجئين السوريين هي “جريمة”؟ وهل تسهيل معاناة المواطنين، ومحاولات إعادتهم إلى وطنهم هو “جريمة”؟ وهل محاولات تنسيق إعادة بناء البنية التحتية، وتوفير الماء والكهرباء ووسائل الحياة الآدمية للمواطنين هو “جريمة”؟

أعتقد أن من يضعون نصب أعينهم هدف عرقلة كل الجهود المبذولة على طريق تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وما ورد فيه في بند اللاجئين، وعودتهم إلى وطنهم، يسعون الآن، بكل ما أوتوا من قوة، إلى شيطنة ليس النظام فحسب، وإنما كل المجهود المبذولة حتى من الأطراف التي ترغب صادقة في مساعدة الشعب السوري.

إننا هنا أمام مجموعة ترغب الإطاحة بالنظام في دمشق بأي ثمن، حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري بأسره، وذلك بعد فشل الخيار العسكري، وتدمير المدن السورية بأموال طائلة ما أنزل الله بها من سلطان. فما ذنب الشعب السوري، وماذا فعل المواطنون البسطاء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في السجال السياسي، والنزاعات على السلطة، حتى يواجهوا كل هذه المعاناة والوضع اللاإنساني الذي يعيشونه.

إن الاستمرار في زرع الحقد بين السوريين، والرهان على خلق شرخ بين الأطراف الدولية التي تسعى جاهدة لمساعدة الشعب السوري، لن يؤدي سوى إلى تدهور وضع السوريين، وإطالة مأساتهم التي يعيشونها منذ سنوات.

وأكرر ما أقوله دائما، إن الأزمة السورية لن تحل سوى بواسطة السوريين أنفسهم، وبعد أن حققت مجموعة أستانا الوقف الكامل لإطلاق النار على جميع الأراضي السورية، فإن على القيادة في دمشق، وعلى المعارضة السورية أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام معاناة شعبهم. وخارطة الطريق واضحة لا تحتاج إلا لإرادة سياسية سورية من الجانبين، لإنجاز عمل اللجنة الدستورية، والشروع في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وليس هناك مخرج آخر، ولن يسمح المجتمع الدولي بغير ذلك.

لذلك فعلى الواهمين، والحالمين بانفصال الشمال الشرقي أو الغربي عن الدولة السورية، أن يدعوا أوهامهم جانبا، فسوريا سوف تبقى موحدة، وهذا قرار صارم بات لا رجعة فيه على الصعيد الدولي. ويجب على الشخصيات السياسية القيادية، سواء في المعارضة أو الحكومة أن تتخلى عن أي تصريحات غير مسؤولة، مثل تلك التي صدرت عن مسؤولين حكوميين في دمشق ضد تركيا. ويجب أن يضع هؤلاء في اعتبارهم، أن تركيا إحدى الدول الأساسية في مجموعة أستانا، التي تشمل إلى جانبها روسيا وإيران.

مع تغير الأجواء السياسية في واشنطن مطلع العام المقبل، ومع الأنباء التي تبدو حتى الآن مبشرة بشأن إيجاد لقاحات لفيروس كورونا، وربما إمكانية نهاية الجائحة خلال العام المقبل، يحدوني أمل أن تنتهي عن قريب سياسة الشيطنة في سوريا والمنطقة، بالتزامن مع نهايتها في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأن تبتعد “الشياطين” عن العلاقات بين دول الخليج، حتى تعود العلاقات العربية إلى وضعها الطبيعي، وتعود الجامعة العربية لأداء دورها، لما فيه أهمية كبيرة جدا لحل المشاكل في كل من سوريا وليبيا واليمن ولبنان، خاصة في ضوء الظروف الدولية الجديدة، أملا في أن تشهد المنطقة انفراجا قريبا.
_____
رامي الشاعر – كاتب ومحلل سوري