مقالات مشابهة

الولايات المتحدة الأميركيّة: ترامب عائد!

الظهور المتكرّر لترامب ورسائله السياسية وتحديه الإدارة الجديدة تشير جميعها إلى أنه ينوي الترشّح لولاية جديدة في العام 2024.

لم يكن مفاجئاً إعلان المستشار والمتحدث باسم حملة دونالد ترامب للعام 2020 أنّ الأخير سيعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي من خلال منصته الخاصة في غضون شهرين أو ثلاثة على الأرجح، متوقعاً أنَّ هذه المنصة ستجذب عشرات الملايين من المستخدمين الجدد و”تعيد صياغة قواعد اللعبة بشكل كامل”.

منذ خسارته الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، يعيش ترامب وجمهوره في جو من الغضب والرغبة في الانتقام لما يسمّونه “سرقة الانتخابات” والتزوير وخيانة أعضاء الحزب الجمهوري الذين لم يقفوا صفاً واحداً لمنع التزوير وقلب النتائج.

ولا شكّ في أنَّ الظهور المتكرّر لترامب ورسائله السياسية وتحديه الإدارة الجديدة تشير جميعها إلى أنه ينوي الترشّح لولاية جديدة في العام 2024، وهو يضع نصب عينيه، ومعه الحزب الجمهوري، القيام بكل ما يلزم لقلب نتائج انتخابات الكونغرس النصفية في العام 2022.

ولعلَّ مراقب الحملات السياسية والإعلامية لكلا الفريقين يدرك أن ترامب وجمهوره الملتزم والمتعصب سيخلقون الكثير من المصاعب الداخلية لإدارة بايدن. نذكر بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر:

 

– العنصرية
تتجذّر العنصرية في المجتمع الأميركي بشكل كبير ومستمر منذ تأسيس الدولة. وبخلاف الاعتقاد الشائع بأنَّ العنصرية تنطلق من البيض تجاه السود فحسب، فإنَّها ترتسم لدى الأميركيين بشكل عمودي وأفقي أيضاً.

بشكل عمودي، تتجلى العنصرية والطبقية بين طبقات ثرية، بل فاحشة الثراء، ومجتمعات بائسة لا تجد قوت يومها وتعيش على هامش المجتمع في العراء. كما تمتد إلى العنصرية بين متعلمين يعيشون في المدن وغير متعلمين فقراء يقطنون في الأرياف أو في الشوارع في المدن الكبرى.

وقد ارتفعت العنصرية الطبقية بشكل كبير خلال الحملات الانتخابية الأخيرة، إذ يطلق الديمقراطيون على مناصري ترامب من البيض المتعصّبين والغاضبين وصف “صاحب العنق الأحمر” (redneck)، وهو مصطلح مزدرٍ يطلق بشكل رئيسي على الأميركيين البيض الفقراء الريفيين وغير المتعلّمين، والذين يعيشون عادةً في جنوب الولايات المتحدة، بينما يطلق على مجموعة “حقوق السود مهمة” وصف “المجرمين والخارجين عن القانون”.

وتظهر العنصريّة أفقياً على خطّ العرق، فنجد العنصرية البيضاء ضد السود والأميركيين الأصليين والملوّنين بشكل عام، والتي تطبع القوانين والتعليم والسياسة والعمل وتعامل الشرطة مع المتّهمين وغير ذلك… كما تظهر في الانتماء الإثني، إذ شجَّع ترامب على الكراهية (المتجذرة أصلاً) ضد الأجانب والمسلمين والآسيويين، ما جعل الأميركيين من أصل صينيّ يتعرّضون لمضايقات عنصرية بعد انتشار وباء كورونا واتهام ترامب للصين بإرساله إلى الولايات المتحدة.

أدّى ذلك مؤخراً إلى إطلاق النار على مركز للتدليك في أتلانتا راح ضحيته 8 نساء آسيويات، علماً أنَّ الأمر لا يقتصر على عنصرية بيضاء تجاه الإثنيات الأخرى، إنما تنخرط فيها الأعراق الأخرى. وتشير الصّور الّتي تظهر أحد المواطنين السود يتعرَّض لرجل صيني طاعن في السنّ بشكل واضح إلى خطوط الصدع العنصري الأفقي في المجتمع الأميركي، والتي غذّاها ترامب بخطاباته الشعبوية.

 

– حملة مكافحة “كوفيد – 19”
منذ دخوله البيت الأبيض، وضع بايدن نصب عينيه أولوية مكافحة وباء كورونا، ووضع خططاً للإسراع في حملة التلقيح وإعادة الحياة الاقتصادية في الولايات المتحدة إلى طبيعتها. ولا شكّ في أنَّ الإدارة قامت بجهد جبار في هذا المجال، إذ يتمّ الإعلان عن تلقيح ما يقارب مليونين ونصف المليون مواطن أميركي يومياً.

ولكنَّ الحملة اصطدمت بعدم رغبة مناصري ترامب في تلقّي اللقاح والتمرّد على الحملة الحكومية للتلقيح الجماعي، ما دفع مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية وكبير مستشاري بايدن، الدكتور فاوتشي، إلى الطلب علناً من ترامب بأن يوعز إلى أنصاره بتلقّي اللقاح. وبالفعل، دعاهم إلى ذلك، ولكن بعد أن سجّل نقطة لمصلحته، مفادها: “لا يمكنكم النجاح بدوني”.

 

– الهجرة غير الشّرعية
بعد شهرين من وصول بايدن إلى البيت الأبيض وإعلانه التعامل مع موضوع الهجرة بطريقة مختلفة عما فعله دونالد ترامب، شهدت الحدود مع المكسيك أزمة تدفّق اللاجئين بشكل غير مسبوق يصعب السيطرة عليه.

ويتَّهم الإعلام المحافظ بايدن وإدارته بأنهما يفرضان تعتيماً إعلامياً على الموضوع، وأنَّ الأمر ينذر بكارثة على الحدود، إذ تعمل مرافق الجمارك وحماية الحدود بشكل يفوق طاقتها، بعد أن تدفَّق أكثر من 100 ألف مهاجر على الحدود في شباط/فبراير الماضي، في حين زادت أعداد الأطفال المهاجرين في مراكز الاحتجاز بشكل كبير.

ومع تركيز الإعلام الجمهوري على الحدود، أدلى ترامب بدلوه في القضية، إذ أصدر بياناً اتهم فيه بايدن بأنه حوّل “انتصاراً وطنياً إلى كارثة وطنية”، معتبراً أنه سلّم إدارة بايدن “الحدود الأكثر أماناً في التاريخ”.

وبطريقة غير مألوفة سابقاً، حيث يغيب الرؤساء الأميركيون الخارجون من السلطة عن الإعلام، يطلّ ترامب بشكل شبه يومي في وسائل الإعلام، سواء عبر تصاريح أو مقابلات أو في لقاء مع المناصرين، لإطلاق الأحاديث المناهضة لإدارة بايدن، وتحفيز المناصرين والحزب الجمهوري للتصويت بكثافة للمرشحين الموالين له في الانتخابات القادمة، وإقصاء كلّ من يعتبره غير موالٍ أو “خائناً” له.

من هنا، يبدو أنَّ ظاهرة ترامب باتت جزءاً من المشهد السياسي الأميركي، على الأقل في المدى المنظور، وأن التخلص منها بات أمراً صعباً، إذ لا يمكن للحزب الجمهوري أن يتخلَّص من الرجل الذي يشكّل رافعته الجماهيرية، ولا يبدو أنَّ بايدن سيستطيع أن يحكم بفعالية من دون أن يسبّب له ترامب الكثير من الصداع… هكذا، تبدو أميركا أمة منقسمة يهدّدها الأخير – العائد قريباً إلى منصات التواصل الاجتماعي- بالتفتيت