المشهد اليمني الأول/

 

خلال الشهر الحالي، تدخل الحرب العدوانية الشاملة على شعبنا الصابر الصامد في اليمن عامها الخامس، ورغم كل ما قيل عن أحاديث السلام، فإن القذائف تتوالى والغارات على المدنيين والبنية التحتية لا تتوقف، ولا يظهر أنها ستتوقف، إلا بالإعلان عن طريقة أخرى للعدوان، تحاول كسر إرادة اليمن، والانتقام من هزيمة واقعة.

 

 

لم يتوقف إطلاق النار من جانب قوات التحالف العدواني، والمشهد في الحديدة ينبئ عن تصعيد ينتظر أقل فرصة للانقضاض على الميناء، وفرض أمر واقع جديد على اليمن، وخلال آخر 4 أيام بالأسبوع الماضي وحده، ارتكبت قوات العدوان 966 خرقًا في الحديدة، مستهدفة الأحياء السكنية والمزارع والمنازل والمصالح العامة والخاصة ومواقع الجيش واللجان، في مؤشر على استمرار المعارك.

 

 

العام الجديد في العدوان يبدأ وقد تحددت الخنادق، فمن كان مع المقاومة ويقف ضد التبعية والانسحاق للصهيوأميركي، أو مع حلف جماعة نتنياهو، بائعي الأوطان لصالح أعدائهم وكراسيهم، تمامًا كما فعل أسلافهم من ملوك الطوائف بالأندلس، ممن استعانوا على أخوانهم وبني جلدتهم بالصليبيين، حتى ولت ديارهم بعد عمرانها، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وكانت نهايتهم مع محاكم التفتيش، التي -وبكل ما أجرمت- كانت ردًا قدريًا وافيًا على ما قدمت أيديهم، جزاء وفاقًا.

 

 

اليمن في صراعها الوجودي مع خدم وعبيد المشاريع الصهيونية لا تخوض صراعًا يمنيًا، وإنما هو صراع عربي وإنساني، فإذا ما انتصرت، فقد حرمت العدوان من متكأ جديد، يتخذه قاعدة لإسقاط وطن عربي جديد، وللأمانة، فقد أثبتت القيادة الشرعية والوحيدة للشعب اليمني البطل، التفهم لوضعها الإقليمي والعالمي، والوعي بالأهداف المطلوبة من تركيع الشعب اليمني، والصدق مع المؤمنين بأنها معركة أمة، وليس صراعًا محليًا يجري في الفراغ.

 

 

قائد أنصار الله، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وضع يده على أصل الصراع، بمهارة وحنكة شديدين، فرد الأمور لأصولها، وقال في كلمته مطلع الأسبوع الحالي، “لا يمكن أن يكون هناك تطبيع وعلاقة مع العدو الصهيوني إلا بالاعتراف بالعدو من موقعه المحتل والمقتطع لمقدس من مقدسات الأمة الإسلامية”، وشدد على أن “أي احتلال لأي بلد أو قطر من العالم الإسلامي هو استهداف للأمة الإسلامية”.

 

 

وأشار السيد الحوثي إلى أن العلاقة مع العدو الصهيوني “تتمثل في العداء لكل من يعادي هذا الكيان وفي خدمة المشاريع الصهيونية والأمريكية في المنطقة”، موضحًا أن “المواقف العدائية من حزب الله والمقاومة الفلسطينية، والحملات الإعلامية نتاج العلاقة مع العدو الصهيوني”.

 

 

ولفت السيد الحوثي إلى أن “أمريكا والكيان الصهيوني تتحركان بأطماعها وتحمل العداء للأمة الإسلامية ولها مؤامرات وأجندات تعزز سيطرتها على أيدي العملاء”، واصفًا العلاقة مع العدو الصهيوني “بالشذوذ عما هي عليه شعوب الأمة ومحاولة لتقبلها بمختلف الوسائل والأنشطة”.

 

 

في اليوم التالي خرجت الأنظمة العربية، ممن ترفَّعَ السيد الحوثي عن تسميتها، خروجًا فاضحًا مذلًا ليس بجديد عليها، فأنبرت وفود برلمانات مصر والسعودية والإمارات لتحاول منع استصدار قرار من البرلمان العربي بإدانة التطبيع مع الصهاينة، ووصفت مصادر عربية الأمر بأنه جرى بعد استشارة الوفود لحكوماتها.

 

 

والأنظمة الثلاثة المشاركة في العدوان على اليمن هي، في الوقت ذاته، الأنظمة التي تردد مشاركتها في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، ومواقفها من دعم الصهاينة والمؤامرات الأميركية في المنطقة لا تحتاج لكثير بيان، فالرئيس المصري –على سبيل المثال لا الحصر- قال صراحة خلال لقاء تلفيزيوني على قناة إيه بي سي الأميركية، تمت محاولة منعه من الإذاعة، أن التنسيق العسكري المصري الصهيوني في أفضل حالاته، وخصوصًا ما يتعلق بمحاربة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.

 

 

الأعجب أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتأثيره على البيت الأبيض غير خاف ولا قليل، مارس ضغوطًا هائلة في جميع الاتجاهات لغلق قضية قتل وتقطيع المعارض السعودي عدنان خاشقجي، لمنع إدانة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على الرغم من الفزع العالمي من الحادثة، وتيار الراي العام الدولي الذي ساند توجيه اتهام مباشر لبن سلمان.

 

 

واللوبي الصهيوني أيضًا يلعب الدور الأهم في تعزيز التحالف والعلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وكانت آخر جهوده الناجحة تتويج الرئيس المصري الأسبق السادات، صاحب أول معاهدة خيانة عربية صهيونية، بميدالية الكونغرس الذهبية، بذكرى مرور 100 عام على ميلاده غير السعيد.

 

 

الجديد في الصراع، خلال عامه الخامس، أن الشعوب العربية دخلته فاعلًا، وتخلت عن دور المفعول به، وخلال الشهور القليلة الماضية، دُشنت في عدة بلدان عربية لجان لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، كجزء من مجهود مقاومة المؤامرة على شعوبنا العربية وعلى وعيها وهويتها، وهو ما يجعلنا ندخل العام الجديد بانتصار مؤكد.

 

 

(أحمد فؤاد – كاتب عربي مصري)