كتب/ جميل أنعم

عيد العمال هذه السنة في مدينة المصانع كان حزين جدا جدا، المصانع متوقفة ومُعطلة عن الإنتاج وبفعل فاعلين متوحشين، ولا رواتب للعمال والموظفين وانعدام خدمات المياه والكهرباء عن المدينة السكنية لعمال مصنع إسمنت باجل وحوالي 25 قرية مجاورة للمصنع الذي كان يوفرها وعلى مدار 24 ساعة .. وبحضور العدوان الماسوني الصهيوني السعودي أطلق رصاصة الرحمة ليس على العمال فحسب بل وعلى مدينة المصانع باجل بصفة عامة، والتي كانت تعيش في نوع جيد من المستوى المعيشي والتي كان يوفرها مصنع إسمنت باجل على 850 عامل وعلى الآلاف من المواطنين والذين يستفيدون من صناعة الإسمنت كمصدر رزق (وكلاء – حمالين – معامل بلوك – عمال بناء – مقاولين) ..

 

في الماضي القريب كان لعيد العمال في مدينة المصانع “باجل” لون وطعم وشكل آخر، حيث ترتدي مدينة باجل أزهى الملابس ويُقلّد عمالها المُبدعين أوسمةً وجوائز قلَّ نظيرها في العالم “شقق سكنية وماء وكهرباء مجاناً وتمليك بعد خمس سنوات من السكن فقط” ينالها العامل والموظف في حفل قومي وطني عمالي بهيج، يُقام في مدينة المصانع باجل وتحديداً في مصنع إسمنت باجل القلعة الإقتصادية الأولى في اليمن، وأول مصنع إسمنت في شبة الجزيرة العربية … حفل وكرنفال عمالي وطني يمني وعروض عمالية لكل عمال اليمن وببطولات رياضية خاصة، وبنقل مباشر للتلفاز الأبيض والأسود، حفل يحضره الرؤساء، رؤساء اليمن، السابقين من الحمدي و الإرياني وعلي صالح ..

 

يتذكر الوالد العامل “محمد احمد عبده” جيداً الحوار الذي دار بينه وبين الرئيس “الشهيد إبراهيم الحمدي” أثناء تسلمه جائزته العمالية “شقة سكنية” ومن على منصة كرنفال الإحتفال العمالي قال الشهيد الحمدي للعامل “تفضل مفتاح الشقة وعش في وطنك اليمن معززاً مكرماً ولا تهاجر للسعودية للغربة طلباً للعمل” … والسعودية لاحقاً تقتل الشهيد الحمدي وكأنه إنتقام لتكريم العامل اليمني ومنعاً للتحرر الإقتصادي !..

 

وتغنَّى الفنان المرحوم “علي الآنسي” بمصانع باجل الإنتاجية (مصنع الغزل والنسيج 1960م – مصنع الإسمنت 1973م – مجمع باجل للصناعات الغذائية – مصنع الزيوت النباتية زيت السمسم وزيت بذرة القطن في مطلع ثمانينات القرن العشرين 1983م) وأخذت مدينة باجل مكانتها الإقتصادية بعد الإنتهاء من تعبيد الطريق الإسفلتية بين الحديدة – صنعاء 1960م، والذي أنشئ في عهد النظام الملكي واختارها الصينيون لبناء مصنع الغزل والنسيج في 1960م لقربها من ميناء الحديدة ووادي سردود الزراعي الذي كان يوفر المادة الخام “القطن” ..

((وشكلت صادرات القطن 40% في السبعينات ورفدت خزينة الدولة بإيرادات إقتصادية)) .. “صحيفة الشارع 21 يناير 2012م العدد 223” … وفئران المصالح من أبناء جلدتنا تدمر مصنع الغزل والنسيج في باجل أولاً وأصبح أثراً بعد عين، وثانياً مصنع الغزل والنسيج في صنعاء الذي كان ينتج ملابس قطنية 100% .. وأصبحت اليمن مليئة بالملابس البلاستيكية المستوردة … وانسحب ذلك على مصنع الزيوت البلدي السمسم والقطن عُطِّل عن الإنتاج واُهلكت المعدات بعوامل الجو ولمصلحة زيوت الكلسترول وأمراض القلب والشرايين …

وتمكن المرحوم العقيد “عبده الجرادي” – مدير عام مجمَّع باجل – من إنقاذ مجمع باجل للصناعات الغذائية من أنياب فئران قانون الخصخصة بعد حرب 1994م، بنقله إلى ملكية وزارة الدفاع … واليوم العدوان السعودي يقوم بتعطيله بعدم توفر مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج ..الخ .

ومصنع إسمنت باجل القلعة الاقتصادية الاولى في اليمن وأول مصنع إسمنت في شبة الجزيرة العربية يتمكن في مطلع التسعينات من توفير تكلفة إسمنت ثالث وجديد بالريال اليمني والدولار الأمريكي، وكادت إدارة المصنع أن توقع الاتفاقية مع الاتحاد السوفييتي السابق الذي إنهار في 1990م، وحضرت حرب 94م وجزء من المليارات تذهب للمجهود الحربي والجزء الآخر تصرفه إدارة المصنع اللاحقة ((1995م – 2013م)) .. والبعض الآخر من المال يُصرَف على تأسيس مصنع إسمنت البرح ومصنع إسمنت عمران .. وبصدور قانون الخصخصة تحاول إدارة المصنع بيعه بمسمى “التقييم” وبتراب الفلوس حسب توصيف نائب رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة الإسمنت الأستاذ “محمد شنيف” .. والقيادة السياسية ترفض لأن المصنع يحقق أرباح مؤكدة والمواد الخام حجر وطين .. وإدارة المصنع تنفذ خطة مُمنهجة طويلة لتخريب وتدمير المصنع إدارياً وفنياً ومالياً فيتم صرف ما يقارب أكثر من 4 أربعة مليارات من مجمع الإهلاك بشكل مخالف للقانون (من تقارير الجهاز المركزي) .. ويتم الإستغناء عن الخبراء الروس صمام أمان صيانة وتشغيل معدات المصنع .. وليحضر مهندسين يمنيين ينفذون ولا يتعرضون فتُستخدم زيوت مخالفة للمواصفات وتدمر ثلاثة مولدات للكهرباء تقدر قيمتها بمئات الملايين من الريالات .. وأصبح المصنع يشتري الطاقة الكهربائية ولترتفع تكاليف الإنتاج للكيس الإسمنت ويتم تعطيل محطة تنقية المياه عن العمل، فتتراكم الأملاح في معدات المصنع مسببةً إهلاك مبكر للمعدات ومشاكل وتوقفات للمعدات الأخرى، ويتم إستعمال وقود مخالف للمواصفات للأفران التي تتوقف وبشكل متكرر ، والتواطئ مع متعهد الوقود المغشوش المكلف بـ 34 ريال / لتر ويباع للمصنع بسعر 92 ريال / لتر وكأنه مازوت، ويبلغ فارق السعر أكثر من 2 إثنين مليار ريال التي سهلت إدارة المصنع للمستورد بالإستيلاء عليها (حسب تقرير الجهاز المركزي – صنعاء) … كما سهلت إدارة المصنع لمتعهد نقل الجبس بالإستيلاء على منجم الجبس باللُّحية، المملوك للمصنع بالإستثمار من وزارة النفط مقابل عقد إستثمار وبالدولار والمبالغ تقدر بمئات الملايين (من تقارير الجهاز المركزي) .. وقضايا الزيوت والوقود ومحطة تنقية المياه والجبس وقضايا أخرى أهدرت أموال المصنع وبمئات الملايين ومنها قيمة “محرك كهربائي تم شرائه كمنتج جديد أتضح لاحقاً أنه خردة …. كل تلك القضايا منظورة أمام نيابة الأموال العامة – الحديدة، وبحال تم إسترداد الأموال المنهوبة سيتم إنقاذ مصنع إسمنت باجل العاجز عن توفير رواتب عماله ولأربعة أشهر ونصف .

وإدارة المصنع توقف الإنتاج في سبتمبر 2009م، بمبرر إرتفاع أسعار المازوت، وبحينه كان المصنع لديه رصيد مالي أكثر من أربعة مليار ريال يمني، ولم تتحمل إدارة المصنع مسؤوليتها باستيراد المادة الخام “الكلنكير” من الخارج لتشغيل المصنع كما فعل القطاع الخاص وحقق أرباح مؤكدة .

ومؤسسة الإسمنت في صنعاء تسعى إلى تغيير منظومة الإحراق من المازوت مرتفع السعر إلى فحم حجري، كما فعل القطاع الخاص في زمن سنة وثمانية أشهر وحقق أرباحاً خيالية وسيطر على الأسواق، مع العلم بأن الرصيد المالي للمؤسسة (عمران – البرح – باجل) كان يقدر بأكثر من 30 مليار ريال يمني، وإدارة مصنع إسمنت باجل من 2009 حتى 2016م السابقة واللاحقة لم تتكيف مع واقع المصنع بوضع خطة إدارية ومالية لتقليل النفقات بتوقيف التوظيف والتعاقد وكون المصنع متوقف فالعمل حراسة ومناوبة ومن يتطلبهم العمل لتسيير الأعمال الطارئة حتى يتم إستيراد “الكلنكير” أو تحويل منظومة الإحراق ..الخ، ولكن إستمرت الإدارة وكأنَّ المصنع ينتج ويحقق إيرادات وأرباح فاستمرت نفقات توظيف وتعاقد ومكافئات ومصاريف وشراء سيارات وأثاث وبدل وقود وبدل إضافي والمحصلة النهائية كانت إغراق المصنع بديون تُقدَّر بأكثر من 22 مليار ريال يمني تساوي تكلفة إنشاء مصنع إسمنت جديد، وأكثر من قيمة المصنع القديم .

 

ومن 2009م حتى 2016م، كان المصنع لديه رصيد مالي أكثر من 4 مليار ريال يمني وأصبح مديون بأكثر من 22 مليار ريال، وخالفت الإدارة القوانين وصرفت المبالغ المخصومة من العمال ولمصلحة التأمينات وصندوق العاملين وتحسين المدينة والتبرع لمرضى السرطان وحتى مستحق المطعم وأصبح المصنع مدين بالمليارات، وكذلك صرفت الإدارة المبالغ المُجنبة للضرائب .. وبلغت ديون المصنع لمؤسسة الكهرباء بمئات الملايين وأقل منها وبمئات الملايين للبنك بالصرف على المكشوف وفوائده المتراكمة، ناهيك عن ديون المستشفيات ومحطة البترول وجهات عدة تتعامل مع المصنع .. كارثة أو جملة كوارث فنية ومالية وإدارية عجزت قيادة مؤسسة الإسمنت وقيادة مصنع إسمنت باجل الحالية والتي أتت لكرسي الإدارة في يناير 2013م والتي لم تحقق شيئاً يُذكر، خاصة في تغيير أسلوب الإدارة بالشكل والمضمون والتي واصلت نهج عقلية الإدارة السابقة التدميرية ..

في مدينة المصانع “باجل” عيد العمال كان حزيناً – مصنع إسمنت باجل نموذجاً ..

مشروع توسعة مصنع إسمنت باجل
مشروع توسعة مصنع إسمنت باجل

وجريمة الجرائم هي مشروع توسيع مصنع إسمنت باجل “الخط الثالث” الشركة المنفذة صينية والمشرفة بريطانية، ومؤسسة الإسمنت تتسلم المفتاح من الشركة المشرفة بعد 28 شهر من بداية العمل سبتمبر 2009م، وطال المشروع وارتفعت النفقات حتى قاربت قيمة المشروع نفسه، وحالياً يتعرض المشروع إلى نهب لكابلات الكهرباء بعضها أكتشف والبعض الآخر مجهول، إحداها بلغ طول الكابل المسروق 25 متر (بإختصار ملف التوسيع مثخن بالجراح وله حديث آخر)

 

وعلى مقربة من المصنع وبمسافة 7 -10 كم تقريباً ظهر مشروع لمعمل إسمنت جديد .. وكذلك في منطقة “وادي سهام – المراوعة” وبمسافة 35 -45 كم ظهر مشروع مصنع إسمنت تابع لبيت هائل سعيد .. والجميع بإنتظار نعي وفاة مصنع إسمنت باجل الحكومي للإستيلاء على محجرة الحجر الجيري (caco3) الداخلة في صناعة الإسمنت والتي تعتبر الأجود في منطقة الشرق الأوسط نقاوة وصلابة للأسمنت المُنتَج .

ومدينة المصانع “باجل” لم تعد مدينة المصانع بل مدينة الظلام .. وعُمال مصنع إسمنت باجل لم يحتفلوا بعيد العمال … لا إحتفال ولا رئيس جمهورية ولا رواتب ولا كهرباء ولا مياه ولا إدارة مسؤولة ولا ولا ولا .. وحتى ثورة 21 سبتمبر 2014م لم تصل بعد إلى مدينة المصانع وتحديداً إلى مصنع إسمنت باجل لوضع حداً لإنهيار مصنع إسمنت باجل المتواصل، والذي ولاسمح الله سينتهي بنهب المصنع الجديد، أمل المصنع بل أمل مؤسسة الإسمنت كونه سيعمل بالفحم الحجري الرخيص الثمن، ومن ناحية أخرى تكليف فريق قانوني مهني لمتابعة القضية رقم 44 لـ 2013م في نيابة الأموال العامة لإسترداد الأموال المنهوبة من المصنع خاصة في قضية الوقود المغشوش ومنجم الجبس .

مصنع إسمنت باجل بحاجة إلى إرادة ثورية وطنية مهنية تنقذه من الوفاه لمصلحة القطاع الخاص المتوحش، الذي حضر إلى مجال صناعة الإسمنت في 2007م، وانعكس ذلك تدهوراً على مصانع الإسمنت الحكومية فنياً ومالياً وانتاجياً وادارياً ..

وبعيد العمال 1 مايو 2017م أتمنى أن أقلب مقالي هذا رأساً على عقب بأخبار سارّة بإقامة إحتفال وكرنفال وطني عريض يليق بمقام العمال والموظفين وعلى وجه الخصوص عمال المؤسسة اليمنية لصناعة وتسويق الإسمنت، في ظروف أفضل لا مكان معها بالخوف من المستقبل المشؤوم الذي يرسمه الخارج وينفذه عملائه في الداخل … العيد القادم إن شاء الله سيكون بلون آخر بلون الرخاء والأمن و الإستقرار .. عيد العمال القادم أفضل بوجود شرفاء هذا الوطن العظيم .. التحية لكل العمال والموظفين .. والتحية للمجاهدين المرابطين في كافة الجبهات ضد قوى الظلام والرجعية والانبطاح .

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا