المشهد اليمني الأول/

 

انتهت القمّة العربيّة في تونس من حيث بدأت، بيانات الشجب والإدانة المكتوبة لقرارات ترامب تجاه القدس والجولان صدرت هذه المرّة بالجملة، بعد أن صدرت سابقاً “بالمفرّق”.

 

في الشكل، بدت القمّة الثالثة التي تعقد في تونس، بعد قمتي 1979 و2004، ناجحة رغم بعض الثغرات كغياب نصف القادة العرب وعدم حضور سوريا وغيرها من الأمور الثانويّة كإشارات أبو الغيظ التي أغضبت أمير قطر.

 

البيان الختامي أظهر إجماعاً عربيّاً على قضايا القدس والجولان السوري المحتلّ، في الشكل أيضاً، أظهر القادة العرب في الدورة الثلاثين من هذه القمة، إجماعاً على ضرورة توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني ووضع حدّ للانتهاكات الإسرائيلية، إضافةً إلى تأكيدهم المكانة المركزية للقضية الفلسطينية في العمل العربي.

 

ليس بعيداً عن الشكل، تصدّر قرار ترامب تجاه الجولان واعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هذه الأرض السوريّة، خطابات الزعماء الذين رفضوا وأدانوا بالإجماع القرار الأمريكي “الباطل شكلاً ومضموناً”، والذي يمثّل انتهاكاً خطيراً لميثاق الأمم المتحدة باعتبار أنه يعمل على شرعنة الاحتلال.

 

ولكن ماذا عن المضمون؟ وكيف يمكن للقادة العرب ترجمة قرارات “إعلان تونس” إلى أفعال؟

 

في الحقيقة، إن المراجعة السريعة لأغلب القمم السابقة تؤكد أن هذه المواقف التي تبدو برّاقة في الشكل، هي فارغة في المضمون، أي إنها مواقف متكرّرة عن القضية الفلسطينية، لا تخرج من قاعة الاجتماعات، ولا تتعدّى الشاشات الإعلاميّة سوى لتخدير المواطن العربي.

 

ما كشف عنه البيان الختام بالعزم على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي ضد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بـ«سيادة» الاحتلال على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967، هي خطوة تذكّرنا بالعزم الذي تحدّث عنه الملك سلمان بن عبد العزيز في القمّة السابقة في مدينة الظهران السعودية، والتي أطلق عليها الملك سلمان العام الماضي “قمّة القدس”، هذا العزم تُرجم على الأرض تنسيقاً أكبر مع واشنطن، وتطبيعاً أكبر مع كيان الاحتلال.

 

بل أكثر من ذلك، إن الإجماع العربي الذي ظهر في الجولان، لم يظهر في القدس رغم أن القضيّة الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى من جهة، ومن جهة أخرى هناك حاجة عربية أكبر لدعم القضية الفلسطينية أكثر منه للجولان.

 

ليس الأمر انتقاصاً من سوريا، أحد أبرز الركائز العروبية والدول الداعمة للقضيّة الفلسطينية، بل لأن هناك محاولات تصفية للقضية الفلسطينية من قبل الكثير من الدول، بينما مسألة الجولان رغم أهميتها هي أمريكية فحسب.

 

وبدل من أن يقدم العرب على خطوة نحو الأمام لتحدّي قرار ترامب عبر التلويح بسحب المبادرة العربية للسلام عن الطاولة، تمسّكت السعودية بهذه المبادرة التي تؤكد على ضرورة “الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري”.

 

بداً غريباً لكثير من المتابعين هذا الدعم العربي لسوريا، مناقشة هذه القمّة لقضيّة حساسة مثل الجولان، والعلم السوري مرفوع على الطاولة في حين أن المقعد شاغر، ألم تكن هذه القمّة هي الأمثل بالنسبة للجامعة العربية لدعوة سوريا إليها تحت ذريعة “قرار الجولان”؟ فهل هؤلاء ملتزمون بما يريده وزير الخارجية الأمريكي تجاه التأخير في إعادة سوريا إلى الجامعة؟.

 

في المضمون، لم يشرعن العرب في قمّتهم المقاومة في غزّة، لم يقرؤوا الفاتحة عن روح الشهيد أبو ليلى، لا لحاجته إليها، بل لرمزيتها في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، فإذا كان لبعض الزعماء عداوة مع صواريخ حماس سواءً بسبب مصدرها، أم الجهة التي أطلقتها، فماذا عن سكّين أبو ليلى؟.

 

رغم أن مخرجات قمة تونس إيجابية من حيث الشكل، إلا أنها افتقدت لصياغة آليات موحدة لمواجهة التحديات التي تتربّص بالقضية الفلسطينية.

 

قد يرى البعض في هذا الدعم الإعلامي للقضية الفلسطينية الذي يترجم على الأرض بشكل مختلف تماماً، عاملاً إيجابياً في التأكيد على عروبة فلسطين لاسيّما في ظل حملات التطبيع الإعلامي التي تقودها الآلات الإعلامية للدول نفسها التي تباكت على فلسطين في القمّة.

 

نعم، لا ننكر أهميّة هذا الأمر، ولكن للأسف يشكّل هذا الأمر إبرة مخدّرة للشعوب العربية المنخدعة بهذه المواقف، لأنه لو أظهرت هذه الدول حقيقة مواقفها سيكون الرد الشعبي مختلفاً تماماً.

 

في الحقيقة، إن الخيبة المتوقّعة لقمّة تونس، أعادتني بالذاكرة إلى كلام الرئيس السوري بشار الأسد في وصف الزعماء العرب في قمة القاهرة عام 2006 بأشباه الرجال.

 

صحيح أن بعض الحاضرين تحدّثوا برجولة دعماً للقضايا العربيّة، لكن هناك العديد من المواقف الأخرى أظهرت هذه الحقيقة، ففي حين استأسد بعضهم دعماً لفلسطين والجولان كلامياً، إلا أنه لم يتجرّأ على ترجمة هذا الخطاب عملياً على الأرض.

 

باختصار، ما تُظهره بعض الدول من حرص على القضيّة الفلسطينية من خلال بيانات تصدر بالجملة عبر بوابة الجامعة العربيّة، تدحضه أفعال هذه الدول نفسها بالمفرّق عبر خطوات تطبيعية، وتنسيق مع أمريكا لتصفية القضيّة الفلسطينية عبر بوابة صفقة القرن.

 

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: كيف ستواجه هذه الدول تبعات فشل صفقة القرن؟ هل ستتهم حينها إيران وتركيا بالوقوف خلف هذه الصفقة؟ أم إنها ستدّعي أنها من أفشلها لكسب الرأي العربي وتدارك تداعيات الفشل؟.