مقالات مشابهة

ناصر قنديل: تأجيل الكيان الاستخراج من كاريش “إنجاز… وفخ”

ــ لم تقنع شركة (انيرجي – إن) التي تتولى مهام استخراج الغاز من حقل «القرش» في بحر عكا، بإعلانها أن تأجيل مهام الاستخراج ناتج عن أسباب تقنية، بينما كان الموعد المقرّر في الأسبوع الأول من أيلول قد تحوّل إلى موعد لتهديد المقاومة باستهداف منصة الاستخراج، إذا بدأ من دون التوصل الى اتفاق يمنح لبنان حقوقه بترسيم منصف للحدود البحرية والتنقيب والاستخراج ضمنها. فالعالم كله يعلم أن التأجيل هو ثمرة سياسية لتداول أميركي إسرائيلي بمخاطر المضي بالاستخراج قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع لبنان يعلق تهديد المقاومة أو يؤدي الى صرف النظر عنه، والتأجيل يأتي في توقيت يعرف العالم كله ايضاً انه توقيت تسريع الاستخراج وليس تأجيله، لأن الأسواق العالمية عطشى للمزيد من الموارد، وهذه فرص تجارية لا تعوض.

ــ هذا التأجيل هو إنجاز عظيم يحققه لبنان وتحققه مقاومته، في حرب الإرادات التي تترجمها المفاوضات بنصوص وتفاهمات، فقد ثبت أن دخول المقاومة على خلفية موازين القوى الحاكمة للتفاوض، لم يفرض تسارعاً وجدية في حركة التفاوض مكان المماطلة والتسويف فقط، بل فرض إثبات القدرة على إحداث التوازن في معادلتي الاستخراج على طرفي الحدود، التي مضى على تجاهلها وانتهاكها عشر سنوات كانت حكومة الاحتلال خلالها تنقب وتتابع حفر وتجهيز الآبار وتستخرج النفط والغاز، بينما لبنان ممنوع من القيام بأي خطوة بانتظار ترسيم حدود يمسك الأميركي بشروطه وفق معادلة « إقبلوا بما يعرض عليكم فهو خير من لا شيء»، كما قال الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين قبل أن تدخل المقاومة على خط التفاوض باستحضار قوتها، التي انتقلت من الردع الى تحصيل الحقوق.

ــ الخطير في بيان التأجيل هو أنه خلافاً لما كان قد أشيع سابقاً عن نية التأجيل لشهر فقط، جاء التأجيل غامضاً لجهة موعد العودة التي وضعها بين منتصف ونهاية شهر تشرين الأول، بما يتطابق مع ما سبق وقالت الصحف الإسرائيلية عن مشروع أميركي إسرائيلي بربط التأجيل بنهاية عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ليس لمنع تسجيل إنجاز الترسيم والفوز بالحقوق لعهده فقط، ولا لضمان تمرير استحقاق الانتخابات الاسرائيلية، بل لأن نهاية عهد الرئيس ميشال عون تعني في ظل القدرة الأميركية على تشجيع وقوع الفراغ الرئاسي وتزخيم مواقف كتل نيابية موالية لواشنطن نحو تعطيل النصاب ورفع سقوف عالية سياسياً، ما يجعل انتظام مؤسسات الدولة مستحيلاً في ظل انقسام يشجعه الأميركيون حول وضعية حكومة تصريف الأعمال وتوليها صلاحيات رئيس الجمهورية، كما يشجعون اليوم تضييع الوقت لعدم تشكيل حكومة جديدة، ويصبح لسان حال الأميركيين، الكرة في ملعب لبنان، وليست في الملعب الأميركي ولا في الملعب الإسرائيلي، ويترك لبنان ينهار ويتفكك حتى يصبح فرض الشروط الإسرائيلية للترسيم ممكناً، ومعها شروط موازية في مواصفات الرئاسة، واذا نجح الوسيط الأميركي بالحصول على الموافقة اللبنانية للتأجيل يكون قد تمّ تعطيل مفعول قوة المقاومة وحضورها في خلفية المشهد.

ــ حتى الآن يبدو الترويج على قدم وساق لنظرية التأجيل، والحديث جار عن اتفاق جاهز، والقضية قضية شهر إضافيّ، والصحيح هو نصف المقولة، أي أن الاتفاق جاهز، لكن الشهر الإضافي يعادل هنا كل الاتفاق، فإذا انقضى شهر تشرين الأول دون اتفاق يبدو أن الاتفاق سيجرف الرئاسة معه الى تأجيل طويل، وانهيار عميق، وليس بيد أحد أن يقطع هذا السياق الجهنمي الا موقف لرئيس الجمهورية الذي لا نقاش حول صلاحيته الدستورية بإدارة ملف التفاوض، يضع سقفاً للتأجيل لا يتخطى ولايته الدستورية، ويقول إنه إذا انقضى هذا الموعد دون اتفاق فإن الرئيس سيوقّع مشروع المرسوم الذي يعتمد الخط 29 لترسيم حدود لبنان البحرية، والموقع من رئيس ووزراء الحكومة السابقة ويقوم بإيداعه لدى الأمم المتحدة، ويُخلي مسؤوليته عن إنهاء الملف ويوقف التفاوض ويترك الأمر للشعب اللبناني ليدافع عن حقوقه بالوسائل المتاحة، وعندها تعرف المقاومة ما عليها القيام به، ويعرف الأميركي والإسرائيلي تبعات ذلك.

ــ عندما يشعر الأميركيون والإسرائيليون أن اللبنانيين لم يبتلعوا الطعم ولم يقعوا في الفخ، وأن الحرب عادت تهديداً جدياً، سيفعلون ما فعلوه بقبول مبدأ التأجيل هرباً من المواجهة، ويحسمون أمرهم نحو التفاهم، ونص الاتفاق جاهز، هذا صحيح.
ــــــــــــــــــــــــ
ناصر قنديل