مقالات مشابهة

خيبة أمل من المستقبل.. إسرائيل على وشك الانهيار من الداخل

إن الحروب الأهلية في مناطق مختلفة من العالم عادة لا تبدأ فجأة ودون مقدمة، وعادة قبل اندلاع أي حرب أهلية في أي جزء من العالم، تتم ملاحظة العديد من التوترات والخلفيات والأسباب المختلفة، بما في ذلك الاختلافات الطائفية والتمييز العنصري والديني، وكذلك استقطاب البيئة السياسية والحزبية، التي تكون أكثر عرضة للصراع والحرب الأهلية.

وفي غضون ذلك، يُعد عدم وجود هدف وقيمة عالية وهوية جماعية من أهم العوامل التي تجعل المجتمع عرضة للتوترات الداخلية، ووفقًا لذلك، فإن الحكومات التي تقوم بشكل غير قانوني أو بعبارة أخرى على أساس الاحتلال، تنقصها هوية شاملة وهدف واحد، وهذه القضية تسبب هشاشة وضعف بنية مجتمعها.

إن الملامح المذكورة تتماشى تمامًا مع بنية النظام الإسرائيلي المزيف الذي تأسس قبل 7 عقود في الأرض الفلسطينية المحتلة، لذا فإن التطورات التي شهدتها الصهيونية منذ العقود الماضية، دائمًا ما تدخل في أزمات سياسية واجتماعية ليست غريبة. لكن في الفترة الأخيرة، وخاصة المرحلة الحالية، تشير الأحداث الداخلية في فلسطين المحتلة إلى أن الكيان الصهيوني اتخذ خطوة أخرى في اتجاه رفع مستوى القطبية الداخلية الشديدة. ومظاهرات مئة ألف مستوطن صهيوني ضد الحكومة الجديدة لهذا النظام برئاسة بنيامين نتنياهو والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين الصهاينة والتحذيرات بوقوع حرب أهلية دليل على ذلك.

لقد نظم الإسرائيليون، مساء السبت الماضي، مظاهرات حاشدة في ساحة حبيمة في تل أبيب وفي مناطق مختلفة من القدس المحتلة ضد الحكومة الجديدة والإجراءات والقوانين التي تعتزم حكومة نتنياهو الفاشية ترسيخها في الهيكل القضائي للنظام الصهيوني. وجاءت هذه التظاهرة الكبيرة بعد سلسلة من الاحتجاجات من قبل معارضي نتنياهو وحلفائه ضد تحركات الحكومة الجديدة لإجراء تغييرات جذرية في النظام القضائي، بما يخدم مصالح اليمين المتطرف.

وفي هذا السياق، أصدر رؤساء كليات الحقوق في جامعات فلسطين المحتلة بيانًا استنكروا فيه التغييرات التي خططت لها حكومة نتنياهو في النظام القضائي الإسرائيلي، وحذروا من أن هذه التغييرات ستقضي على مبادئ النظام القانوني لهذا النظام. إضافة إلى ذلك، صدرت تصريحات قاسية من قبل مسؤولي المعارضة الصهيونية خلال هذه التظاهرات، ما يشير إلى توتر الوضع الداخلي والاتهامات المضادة التي تم تبادلها بين المسؤولين الصهاينة خلال هذه التظاهرة الكبرى التي كانت غير مسبوقة، والتي كان من أهمها:

الف) أعلن بيني غانتس، وزير الحرب السابق في نظام الاحتلال، في هذا السياق قائلا: “إذا استمرت حكومة نتنياهو بالطريقة نفسها، فستكون مسؤولة عن حرب أهلية. لقد حان الوقت لأن نخرج جميعًا إلى الشوارع ونتظاهر ضد حكومة نتنياهو العنصرية”.

ب) بعد اجتماع قادة أحزاب نتنياهو المعارضة، أكد بيني جانتس أن أحزاب المعارضة ستتعاون ضد جهود حكومة نتنياهو لتدمير “ديمقراطية” إسرائيل. وقال نتنياهو ردا على باني غانتس: “إذا استمريت على هذا النحو، فستكون مسؤولا عن الحرب الأهلية التي ستنشب في المجتمع الإسرائيلي”.

ج) قال عضو كنيست من حزب يش عتيد في مقابلة تلفزيونية: “ستشهد انفجار قنبلة في منزلك”.

د) دعا نائب رئيس الاركان السابق للنظام الصهيوني الى احتجاجات حاشدة للاطاحة بحكومة نتنياهو.

ه) على الجانب الآخر، اتهم يهودات زفيكا فوجل عضو حزب “القوة اليهودية” بالكنيست بيني غانتس ويائير لابيد، رئيس الوزراء الأسبق للنظام الصهيوني، بالخيانة وطالب باعتقالهما.

و) قال يائير لابيد ردا على فوغل: “ايتمار بن جوير (وزير الامن الداخلي في حكومة نتنياهو) يهدد باستخدام شاحنات رش المياه ضد المتظاهرين. يقول فوغل إنه يجب اعتقال وسجن غانتس، بينما كان (أعضاء في حكومة نتنياهو) يحاولون قمع الطلاب المتظاهرين في منطقة بئر السبع”.

ح) كما هدد لبيد نتنياهو وقال: “لن نسمح لهم بقمعنا وسوف نتظاهر ضدهم”. واتهم أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب السابق في النظام الصهيوني، نتنياهو بأنه سبب تحريض الإسرائيليين ضد بعضهم البعض. وأصدرت ما تسمى حركة “الرايات السوداء” المسؤولة عن تنظيم التظاهرات ضد نتنياهو بيانا وأعلنت أن انقلاب نتنياهو لن ينجح والإسرائيليون سيقفون ضد القوة والقمع، والتظاهرة التي بدأت الليلة هي بداية لعاصفة لا هوادة فيها.

ط) أعلن يائير غولان، عضو الكنيست السابق وأحد منظمي المظاهرات في تل أبيب: “إنهم في طريقهم لتدمير “الديمقراطية” وسنرد عليهم بإضراباتنا ومظاهراتنا”.

وبناءً على ذلك، فإن التطورات الحالية في الأراضي المحتلة، من تصريحات واتهامات مضادة وتظاهرات، تظهر فشل الصهاينة في تحقيق هدفهم الاستراتيجي منذ بداية احتلالهم لفلسطين، وتدل على أن الصهيونية لم تكن قادرة على قيادة المجتمع الإسرائيلي نحو هدف وهوية واحدة.

ظل الحرب الأهلية على الإسرائيليين

حذر عدد كبير من الباحثين والمفكرين الصهاينة من خطر الحرب الأهلية منذ البداية وقاموا بفحص مؤشراتها، وحول هذا السياق، أكد أفشالوم ويلان هو أحد هؤلاء المفكرين ذلك وقال إنه بسبب الفجوة الحادة بين المتطرفين الدينيين والعلمانيين في إسرائيل، هناك احتمال لحدوث صراع حاد بينهما، ويعتبر اليمين المتطرف تهديدا وجوديا داخليا لإسرائيل.

وتظهر المؤشرات الداخلية للنظام الصهيوني أن التوتر الداخلي بين الإسرائيليين تحول إلى أزمة عميقة يصعب التعامل معها، أي إن الصراعات الداخلية في فلسطين المحتلة لم تعد حزبية أو صراعا سياسيا، بل حرب أيديولوجية. وعلى أساس الكراهية والرفض لبعضهم البعض، الأمر الذي خلق حالة من “التدمير الذاتي” في المجتمع الصهيوني. وهذه القضية هي أحد العوامل الرئيسية لتكثيف ظاهرة “الهجرة العكسية” (رحلة لا رجعة فيها) للصهاينة من الأراضي المحتلة.

الاتجاه المتزايد للهجرة العكسية من الأراضي المحتلة

إن الحقيقة التي لا يستطيع النظام الصهيوني إخفاءها أنه مع تصاعد التوترات والخلافات، تعرض المجتمع الصهيوني للتفكك والانهيار من الداخل. وتُظهر المعلومات الرسمية التي نشرتها مؤخرًا المؤسسات الإحصائية للنظام الإسرائيلي الطلب الكبير للإسرائيليين للحصول على الجنسية الأوروبية بهدف الهجرة من فلسطين المحتلة إلى أوروبا والولايات المتحدة. وحتى منظمة صهيونية بدأت في إطلاق حملات لدعوة الصهاينة للهجرة من فلسطين المحتلة وأكدت أنها تخطط لمساعدة 10،000 إسرائيلي للهجرة بعد تولي حكومة نتنياهو المتطرفة السلطة.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلنت الصحيفة العبرية “تايم أوف إسرائيل” من خلال نشرها تقريرًا أن طلبات الإسرائيليين للحصول على الجنسية الفرنسية زادت بنسبة 13٪ والجنسية الألمانية والبرتغالية بنسبة 10٪، إضافة إلى عدد طلبات الإسرائيليين للحصول على الجنسية الأوروبية اعتبارًا من عام 2021، زادت بنسبة 68٪ مقارنة بما كان عليه الوضع في السنوات الماضية.

وتمثل هذه القضية خطراً كبيراً على وجود الصهيونية التي كانت تعتمد على عامل السكان وجذب اليهود من جميع أنحاء العالم للهجرة إلى فلسطين المحتلة من أجل بقائها. واشتداد التطرف في المجتمع الصهيوني، وخاصة مع تشكيل حكومة نتنياهو الفاشية، واشتداد الوضع ثنائي القطب والخلافات والصراعات السياسية، وتدهور الوضع الأمني ​​في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، واستمرار تهديد المقاومة وإيران ضد مستقبل الكيان الصهيوني من أهم العوامل التي تدفع الإسرائيليين للهجرة.

وبالتزامن مع الاحتجاجات الواسعة ضد حكومة نتنياهو وحلفائه المتطرفين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، تم أيضًا نشر دعوات للهجرة من هذه الأرض، وتنظم المؤسسات التابعة لخصوم نتنياهو حملات لمساعدة الإسرائيليين على الهجرة من فلسطين المحتلة. وتقول هذه المؤسسات إنها تدرك حقيقة الصراع الداخلي والاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي.

ربما أدرك الصهاينة أن المشروع الصهيوني يقترب من نهايته وأن الأمل في بناء “دولة يهودية” في الأراضي الفلسطينية المحتلة حلم معرض للدمار، وفي هذا السياق أعلنت تصريحات يانيو غوريليك، أحد قادة منظمة “لنغادر هنا معًا” في حديث مع صحيفة معاريف العبرية: “بعد سنوات من تهريب يهود من اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا إلى إسرائيل (فلسطين المحتلة) )، لقد قررت هذه المرة مساعدة الإسرائيليين على الهجرة إلى أمريكا. وأرى الكثير من الكراهية في المجتمع الإسرائيلي وأرى بأم عيني أن الإيرانيين يوجهون صواريخهم الدقيقة نحو إسرائيل (الأراضي المحتلة)”.

حقيقة أخرى لا يستطيع النظام الصهيوني إخفاءها هي أن الانقسام وتفاقم الانقسامات والخلافات في المجتمع الصهيوني أصبح بحد ذاته نقطة ضعف تسرع انهيار إسرائيل من الداخل. ويقول “جون روز”، المفكر الصهيوني ومؤلف كتاب “إسرائيل، الحراسة الأمريكية في الشرق الأوسط”، في هذا السياق: “لقد انخفضت الهجرة إلى إسرائيل (فلسطين المحتلة) بشكل ملحوظ، والآن هناك العديد من الإسرائيليين الذين، في ظل تقاعس السلطات عن ضمان أمنها، عاجلاً أم آجلاً سيغادرون إسرائيل، وهذا الوضع سيؤدي إلى انهيار إسرائيل ولا أرى لها مستقبلاً طويلاً وبعيداً”.

ومن المثير للاهتمام أيضًا إلقاء نظرة على تعليقات الكاتب الصهيوني “شلومو ماعوز”، الذي اعترف بأن الهجرة العكسية تزيد من خوف الإسرائيليين الأكبر سنًا من انخفاض عدد اليهود الملتحقين بالجيش. وعلى الرغم من أن بعض الإسرائيليين قد غادروا إسرائيل (فلسطين المحتلة) لأسباب مختلفة، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو شخصية، أو ليكونوا جزءًا من مجتمع أكبر، إلا أنهم قد لا يعودون أبدًا.

وحسب هذا الكاتب الصهيوني فإن الهجرة العكسية ظاهرة يجب منعها. وإن تكثيف عملية الهجرة العكسية للإسرائيليين في عام 2022 يذكرنا بحدث مماثل في عام 1990؛ حيث غادر 14200 يهودي إسرائيل (الأراضي المحتلة) بسبب انهيار الوضع الأمني ​​الناجم عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ثم في عام 1993 غادر أكثر من 18200 شخص وفي عام 1995 غادر حوالي 18700 إسرائيلي، وهذه الإحصائيات تبعث على القلق على المدى الطويل.

إن الإحصائيات الجديدة حول الهجرة العكسية للصهاينة أكثر وضوحا وتكشف حقيقة هذه المشكلة بالنسبة للنظام الصهيوني، حيث سيصل عدد اليهود الذين هاجروا من فلسطين المحتلة نهاية عام 2020 إلى 756 ألف نسمة. وهذه الإحصائية تتعلق فقط بأولئك الذين هاجروا مباشرة من فلسطين المحتلة إلى دول أجنبية ولا تشمل اليهود المولودين في هذه البلدان.

وعلى الرغم من أن النظام الصهيوني كان يحاول استغلال الحرب الروسية الأوكرانية لمصلحته الخاصة وشن حملة لجذب اليهود من جميع أنحاء العالم وخلق مساحة لجلب اليهود الروس والأوكرانيين إلى فلسطين المحتلة؛ لكن الحقيقة هي أن المعلومات حول الهجرة في الأراضي المحتلة تظهر أن عدد أولئك الذين يهاجرون من هذه الأراضي سنويًا هو أكثر بكثير من أولئك الذين يدخلونها.

وأظهر استطلاع للرأي أجري في كانون الثاني (يناير) الماضي أن 40٪ من الإسرائيليين على استعداد للهجرة. وإن وصول الحكومة اليمينية المتطرفة إلى السلطة والسلوك الفاشي لأشخاص مثل إيتامار بن جوير وبيتسلئيل سموتريتش، سيُسرع من عملية الهجرة العكسية للصهاينة ويظهر أن هذه الظاهرة لن تتوقف فحسب، بل في المرحلة الجديدة سيشهد الإسرائيليون بداية موجة كبيرة من عمليات الهروب التي لا رجعة فيها من الأراضي المحتلة.

يأس الإسرائيليين من المستقبل

من ناحية أخرى، أعلن ما يسمى “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، الذي سبق أن نشر العديد من التقارير حول عدم ثقة الصهاينة بالجيش، في استطلاعه الأخير أن 49 في المئة فقط من الإسرائيليين لديهم أمل في مستقبلهم. وأثناء نشر نتائج الاستطلاع المذكور، أكد هذا المعهد أنه منذ العقد الماضي، انخفض مقدار التفاؤل بين الإسرائيليين بشأن المستقبل بشكل ملحوظ؛ لأن نسبة الذين يثقون بمستقبلهم وصلت إلى 49٪، ويقول 69٪ منهم إنهم لا يريدون الاستمرار في العيش في إسرائيل (فلسطين المحتلة).

وتستند نتائج هذا الاستطلاع إلى بيانات تم جمعها من 2003 إلى 2022 وتظهر أن ثقة الإسرائيليين في المؤسسات المهمة مثل الجيش والشرطة والرئاسة ومجلس الوزراء والكنيست والأحزاب السياسية والمحكمة العليا قد تراجعت بشكل ملحوظ. ويوضح هذا التقرير أن حالة الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة والانقسامات الداخلية والقضايا السياسية والصراع الداخلي بين الإسرائيليين هي من أهم عوامل خيبة أمل الإسرائيليين في مستقبلهم، وثقتهم بالسياسيين والأحزاب والكنيست والإعلام الصهيوني لا تزيد على 20 في المائة.