لعقود من الزمن والولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إخضاع الدول لسياساتها وإحكام السيطرة عليها من خلال أساليب متنوعة تختلف من بلد إلى آخر، وفي المنطقة العربية والإسلامية كان التركيز الأمريكي منصبا على أن تبقى ساحته المحظورة على القوى الدولية الأخرى، واستخدم لتحقيق ذلك استراتيجية السيطرة على القيادات السياسية والاجتماعية للوصول إلى السيطرة على صانع القرار، وشكل اليمن بموقعه الاستراتيجي نقطة ارتكاز للقبضة الأمريكية على باقي المنطقة.
ومن بوابة العلاقات الدبلوماسية وفتح واشنطن لسفارتها في اليمن بدأت واشنطن في ممارسة نشاطها وعقد لقاءاتها مع مختلف الجهات والمكونات والشخصيات مستغلة الغطاء الدبلوماسي للنفاذ إلى كل مفاصل الدولة عبر مراحل زمنية امتدت لعقود، ومتوجسة في ذات الوقت من النزعة الاستقلالية والروابط الاجتماعية والعادات والتقاليد المستندة إلى هوية إسلامية متجذرة، ليشكل ذلك أحد أبرز التحديات أمام الاستراتيجية الأمريكية في اليمن.
ظلت السفارة الأمريكية في صنعاء تعمل بشكل متدرج وحذر لتوسيع نشاطها الاستخباراتي وتنويع مصادرها مع الجهات الرسمية والوجاهات الاجتماعية والدينية حتى أنشأت محطة للسي آي إيه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مستفيدة من حالة الارتهان والتبعية للسلطة آنذاك، لتنطلق بعد ذلك على نحو أوسع في بناء شبكات من الجواسيس أو المصادر وفق التسمية المعروفة في أوساط الأجهزة الاستخباراتية، الهدف الرئيس هو إفقاد اليمن عناصر قوته المختلفة، اجتماعيا وعسكريا وأمنيا واقتصاديا وغيرها موكلة هذه المهمة لشبكة من الجواسيس المدربين وفق أعلى المعايير.
ومع تصاعد حالة الوعي الشعبي أمام انكشاف الدور الأمريكي في أفغانستان والعراق وحالات الانقسام الحاد الذي أفرزته ثورات ما سمي حينها بالربيع العربي قاد أنصار الله مع المكونات السياسية الحرة ثورة شعبية توجت بالإطاحة بسلطة العمالة والارتهان، وهو تطور فاجأ العدو والصديق واستنقذ اليمن من الدخول في الفوضى المنظمة وهو ما كانت تحضر لها السفارة الأمريكية منذ وقت مبكر.
11 فبراير 2015 أغلقت السفارة الأمريكية أبوابها استكمالا لمسار التحضير للحرب العدوانية التي جندت لها كل الإمكانات، دون إدراك بأنها تجر نفسها إلى ورطة أكبر، حاولت أن تبقي دورها في الظل ودفعت بدول إقليمية كالسعودية والإمارات إلى الواجهة لإعلان الحرب في مارس 2015 من العاصمة الأمريكية واشنطن وبتوقيتها أيضا، ترافق مع الاستهداف العسكري الواسع لليمن معركة أمنية ضروس قادتها واشنطن مباشرة عبر شبكة من الجواسيس المحليين بعد أن وجدت نفسها أمام فشل مستفحل في إدارة المعركة من الأجواء.
أثار تجاوز اليمن للصدمة من الحرب وانتقاله إلى مرحلة بناء عناصر القوة قلق أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة الأمريكية عاما بعد آخر، خصوصا وأن الحرب العدوانية أخذت أشكالا متعددة، عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية وتعليمية وزراعية، ما دفعها لتكثيف نشاطها التجسسي بهدف الوصول إلى أكبر قدر من المعلومات والبيانات حول مكامن القوة المادية والمعنوية، واستطاعت عبر شبكة جواسيسها المحليين إلحاق الضرر معظم القطاعات.
لم تيأس الأجهزة الأمنية وظلت تواجه وفق إمكاناتها المتاحة كبريات أجهزة الاستخبارات العالمية حتى وفقها الله لإنجاز أمني نوعي تكلل بإلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية هي الأخطر عام 2021م لتسارع الولايات المتحدة الأمريكية بعدها عبر بيانات متوالية من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية لتطالب بالإفراج عنهم باعتبارهم موظفين محليين عملوا بإخلاص لعقود من الزمن في خدمة الولايات المتحدة.
عناصر شبكة التجسس الأمريكية وفق الأجهزة الأمنية عملوا في السفارة الأمريكية ووكالات ومنظمات أجنبية وأدلوا باعترافات تثبت تورطهم بممارسة النشاط التجسسي لصالح أجهزة استخبارات أجنبية معادية من خلال جمع وتسليم معلومات وبيانات تمس بأمن الجمهورية اليمنية، وتؤكد استغلالهم لنشاط وكالات ومنظمات دولية ومحلية عاملة في اليمن كغطاء لتحركها وتجنيدها لجواسيس في معظم المؤسسات لإبقاء اليمن مكشوفا تحت الهيمنة والتأثير الأمريكي.
ما يميز شبكة التجسس الأمريكية عن غيرها وفق الأجهزة الأمنية أن جواسيسها أداروا نشاطا تجسسيا بالغ الخطورة على سيادة اليمن في مجالات متنوعة: (عسكرية-أمنية-اقتصادية-اجتماعية-ثقافية-تعليمية-صحية-زراعية) ولفترات زمنية امتدت لدى بعضهم لعقود من الزمن، وحصل عناصرها على دورات تدريبية مكثفة في الولايات المتحدة وعواصم أجنبية أخرى في مجالات تتعلق كلها بالأنشطة الاستخباراتية بشكل مباشر وغير مباشر، وتوالى على إدارة وتوجيه قيادات الشبكة الجاسوسية مجموعة من ضباط الاستخبارات الأمريكية وجندوا البعض لصالح الموساد الإسرائيلي.
تنوعت مظاهر الاستهداف ومستوياته بين جواسيس الشبكة الأمريكية، وفق محاضر الاستدلال وما اعترف به الجواسيس فقد اعتمدت الولايات المتحدة على استراتيجية الاستهداف الشامل والممنهج للوصول إلى الأهداف التخريبية والإفساد لمظاهر الحياة وتدمير عناصر القوة، عبر استقطاب شخصيات مؤثرة في مفاصل القطاعات والمجالات المختلفة، وتجنيد خلايا عنقودية في كافة المؤسسات والمجالات من أبرزها:
ثقافيا وتربويا:
من خلال استقطاب رموز دينية من جميع المذاهب، والترويج لثقافة التقريب بين الأديان، ونشر المسيحية الصهيونية في اليمن من خلال بعض المنظمات الدولية والمحلية وبعض الشركات الأجنبية، تقديم دراسات عن ميول واتجاهات المجتمع وإدارة شبكات دعارة
تعليميا:
من خلال تغيير المناهج وإضعافها من خلال استراتيجية تعدل كل 4 سنوات، إقامة برامج وورش تدريبية عبر منظمات لنشر الفساد الأخلاقي.
سياسيا:
إقامة برامج تغذي الصراعات، استقطاب وتدريب القريبين من صناع القرار، إنشاء تكتلات شبابية ونسوية تحت غطاء المنظمات ومتصلة بمكتب النزاعات الأمريكي، تمرير عدد من القوانين في مجلس النواب، رفع تقارير مفصلة عن المكونات السياسية والوزارات وحركة التعيينات والتغييرات.
اقتصاديا:
تجنيد شبكة مصادر في القطاعات الاقتصادية، واستهداف القطاع البنكي والمصرفي، الحصول على معلومات حساسة تتعلق بالموازنات والتمويل للجبهة العسكرية، ورصد أنظمة الاتصالات، توسيع المصادر في القطاع النفطي وتحديث البيانات والحصول على خرائط الحقول، التنسيق بين بيوت تجارية لاستيراد البضائع الإسرائيلية عبر طرف ثالث، رصد النشاط التجاري للدول الأجنبية في اليمن واستهدافه بطرق ووسائل مختلفة لصالح توسيع النشاط التجاري الأمريكي في السوق اليمنية.
زراعيا:
استهداف القطاع الزراعي والحيواني من خلال طرق متعددة، إنتاج وإكثار الآفات الزراعية مخبريا ثم العمل على نشرها في المناطق الزراعية، تدمير البذور واستبدالها بمستوردة مهجنة ضربت القدرة الإنتاجية للمزارعين، وجعلت المزارع مرتهنا لشركات إنتاج البذور خارج اليمن، تدمير التربة عبر أسمدة وسموم وزعت مجانا للمزارعين، إفراغ المؤسسات البحثية من مضمونها وتعطيل دورها عبر حرف مسارها لصالح بحوث تخدم التوجه الأمريكي، رصد مستوى التوسع في زراعة القمح، إغراق الأسواق بالمنتجات الأجنبية لضرب الإنتاج المحلي، نشر الأوبئة في الثروة الحيوانية عبر لقاحات مجانية تسببت لاحقا في نفوق الحيوانات بأعداد كبيرة.
صحيا:
مشاريع لنشر الأوبئة عبر اللقاحات والصحة المدرسية، استهداف الخصوبة في المجتمع، إقامة برامج تتعلق بالصحة الإنجابية تواجه عملية الزواج الشرعي في الوقت الذي تروج للعلاقات المنفلتة خارج إطار الزواج عبر مشاريع عدد من المنظمات، جمع البيانات والمعلومات في الأرياف وتركزت في مرحلة العدوان.
أمنيا:
رصد المقرات والمواقع الأمنية والعسكرية، تجنيد جواسيس لصالح أجهزة استخبارات أمريكية، توظيف المنظمات الأممية لأعمال مخابراتية، عقد لقاءات خارج اليمن لتجنيد جواسيس لصالح الموساد الإسرائيلي، دعم وتسليح الجماعات التكفيرية، إدارة الفوضى والتفجيرات، زرع أجهزة تنصت وتجسس، إدخال أجهزة ملوثة إلكترونيا إلى اليمن.
عسكريا:
رصد التحركات العسكرية، رصد القدرات العسكرية الاستراتيجية والتكتيكية، رصد مسرح العمليات العسكرية، تجنيد مقاتلين في قواعد يشرف عليها العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة، تقديم دراسات تفصيلية للمخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي عن القدرات العسكرية.
الأجهزة الأمنية سمحت بنشر جانب يسير من اعترافات شبكة الجواسيس الأمريكية لوسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية محتفظة بكم هائل من البيانات التي وقعت في أيديها، وتؤكد أن هذا الإنجاز الكبير كشف الاستراتيجية الأمريكية في مراحل حساسة ومهمة من تاريخ اليمن وأنها مستعدة للتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة في تبادل المعلومات ذات الاهتمام المشترك لحماية الأمن القومي للمنطقة، وتشيد بوعي الشعب اليمني والشعوب الحرة في مواجهة الأدوار التخريبية للولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلي والأجهزة الاستخباراتية الأخرى المعادية.
https://x.com/i/status/1800208302321652160
هوية الجواسيس
