المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    تشديد القيود على اليمن.. ممرٌّ للعسكرة وتهديدٌ للملاحة الدولية

    في خطوةٍ تصعيدية تندرج ضمن سياسة الكيل بمكيالين، صوّت...

    غزة.. هُدنة مع وقف التنفيذ بإشراف مجلس الوصاية الاستعماري

    تستطيع الصورة أن تنقُلَ تفاصيل الإجرام الصهيو-أمريكي، وعمليات الإبادة...

    قرار مجلس الأمن حول غزة.. هزيمة عسكرية لـ”إسرائيل” ودبلوماسية للعرب

    جاء قرار مجلس الأمن الأخير بشأن غزة ليكشف حقيقتين...

    طوفان القبائل اليمنية .. استنفارٌ يصنع معادلة الردع في في وجه العدو

    يشهد اليمن اليوم واحدة من أوسع موجات التعبئة الشعبية...

    جاهزية يمنية أكبر من مخططات أمريكا وأي مغامرة “إسرائيلية” لن تمرّ دون عقاب

    وإن حاولت أمريكا استغلال حالة الانهزام التي يعيشها العالم...

    السعودية دومًا في موقع “المفعول به”

    من المضحك المبكي أن تسمع محللين سعوديين أو عربًا مأجورين يقدّمون النظام السعودي على أنه “لاعب أساسي” في المنطقة، وأن لآل سعود حرية القرار والتحكّم بقواعد اللعبة بعيدًا عن التوجيهات الأمريكية.

    غير أن هذا التصور لا يصمد أمام الواقع، ولا أمام ما يكشفه الساسة الغربيون أنفسهم عن طبيعة علاقة التبعية التي تربط الرياض بواشنطن.

    واحدة من أوضح الشهادات على هذه العلاقة جاءت من الرئيس الأمريكي اثناء ولايته السابقة دونالد ترامب، الذي لم يتوانَ عن وصف السعودية بأنها “تُحلب” لصالح أمريكا، بل قالها صراحةً في أكثر من مناسبة. ففي تجمع انتخابي بولاية ميسيسيبي عام 2018، قال: “قلت للملك: نحن نحميكم، وقد لا تبقون في السلطة لأسبوعين دوننا. يجب أن تدفعوا!”
    وفي مقابلة أخرى على قناة فوكس نيوز عام 2019، صرّح بوضوح: “نحن نحصل على المليارات من السعودية مقابل حمايتهم، ولا ننسى أننا عقدنا معهم أكبر صفقة سلاح في التاريخ”.

    أما الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فقد وصف السعودية في مقابلة شهيرة مع مجلة The Atlantic عام 2016 بأنها من “الركاب المجّانيين”، الذين يتوقعون من واشنطن أن تخوض الحروب نيابةً عنهم، دون أن يتحملوا أدنى قدر من المسؤولية. وهو تصريح يعبّر عن النظرة الأمريكية الرسمية للسعودية، لا كشريك، بل كأداة وظيفية تُستخدم عند الحاجة.

    وفي تسريب شهير من بريد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، نشره موقع “ويكيليكس”، قالت: “الحكومتان السعودية والقطرية تقدمان الدعم المالي واللوجستي السري لداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة في المنطقة.”

    هذا التصريح لا يترك مجالًا للشك في أن السعودية لم تكن سوى أداة في تنفيذ مشاريع خارجية، تخدم “الفوضى الخلاقة” التي صاغتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها.

    أما الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فقد وصف السعودية بأنها “دولة منبوذة” بسبب سجلها في حقوق الإنسان، خصوصًا بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. لكنه ما لبث أن تعامل معها بمنطق البراغماتية السياسية حين احتاج إلى النفط، أو عند الإعداد للتطبيع مع “إسرائيل”. وهذا بحد ذاته دليل على أن بقاء السعودية في الساحة الدولية لا يرتبط بشرعيتها أو دورها المستقل، بل بمدى خدمتها للأجندة الغربية.

    من جانبه، صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، بأن: “كل تحركات السعودية في اليمن وقطر، وحتى ملفات النفط، تأتي بعد تنسيق مباشر مع البيت الأبيض، أو على الأقل بمباركة منه.”

    ومن المفكرين الأمريكيين الذين فضحوا تبعية آل سعود للقرار السياسي الأمريكي، يأتي الفيلسوف والمفكر الكبير نعوم تشومسكي، الذي أكد أن السعودية “تلعب دور خادم المصالح الأمريكية في المنطقة… فهي لا تتحرك إلا بإذن، ولا تسكت إلا بتوجيه.”

    إن الحديث عن حرية القرار السعودي، أو عن دور مستقل للسعودية في المنطقة، هو ضرب من الخيال. فالمشهد واضح لكل ذي بصيرة: القرار يُصنع في واشنطن، ويُنقل إلى الرياض للتنفيذ. وما يُمنح لآل سعود من “حرية وهمية” لا يتجاوز حدود ما يخدم المشروع الأمريكي –الصهيوني في الشرق الأوسط.

    التاريخ لا يرحم من ارتضى لنفسه أن يكون مفعولًا به في معادلة لا ترحم، ولا مكان فيها إلا لمن يصنع الحدث، لا لمن يُستَخدَم في تنفيذه.

    لا يمكن الحديث إذن عن “استقلال القرار السعودي”، في ظل اعتماد النظام اعتمادًا شبه مطلق على الحماية العسكرية الأمريكية، والغطاء السياسي الغربي في كل خطوة يخطوها، من العدوان على اليمن، إلى التطبيع غير المعلن مع الكيان الصهيوني، وهو تنسيق يجري برعاية مباشرة من تل أبيب وواشنطن.

    من يقدّم آل سعود كلاعبين مستقلين في المنطقة، إما جاهل بالحقيقة، أو متواطئ في تزويرها. فالمشهد واضح: القرار يُصاغ في واشنطن، ويُنفذ في الرياض. والتاريخ لا يرحم من رضي لنفسه دور التابع في لعبة الأمم.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img