“خاص”
بين فشل الحملة الجوية، وإسقاط الطائرات الأمريكية، وهجمات حاملات الطائرات، يبدو أن اليمن كتب صفحة جديدة في تأريخ الصراعات غير المتكافئة، حيث تحول الصاروخ والمسيرة إلى أدوات ردع استراتيجية، واستطاع الحوثيون توجيه صفعة سياسية وعسكرية للإدارة الأمريكية ولخصومهم الإقليميين.
وكشفت الحملة الفاشلة على اليمن حداً أدنى من الكفاءة في التعامل مع الجهات غير التقليدية، كما كشفت عن هشاشة الحسابات الاستراتيجية التي بُنيت عليها العملية، ووضعت البنتاغون أمام إعادة حسابات جوهرية حول كيفية التعامل مع هذا النوع من الحروب مستقبلاً.
وكان واضحاً أن الولايات المتحدة دخلت اليمن باعتبارها قوة عظمى، لكنها خرجت منه وهي تبحث عن مخرج آمن، بينما تعزز الحوثيون موقعهم وتوجّهوا إلى الداخل والخارج بأنهم أصبحوا قوة رادعة حقيقية، قادرة على إعادة رسم المعادلات الاستراتيجية في المنطقة.
لتأتي الوساطة العمانية لتنقذ ترامب من براثن الحوثيين بعد محاصرته في عرينهم، ومن الورطة التي وقع فيها بعد فشل حملته العسكرية وبدون أي تنازلات حوثية انما مقابل التزامهم بعدم استهداف السفن الأمريكية فقط.
لم تحقق أي أهداف استراتيجية
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلاً عن مصادر أمريكية رفيعة المستوى، أن الحملة العسكرية التي شنها الرئيس دونالد ترامب على اليمن خلال الأشهر الماضية لم تحقق أي أهداف استراتيجية، بل انتهت بشكل مُهين بعد فشل الولايات المتحدة في كسر الحوثيين أو فرض سيطرتها الكاملة على الأجواء اليمنية.
وأكد المسؤولون الأمريكيون أن التقديرات الأولية للعملية كانت تُظهر أن الحوثيين يمتلكون بنية دفاعية ضعيفة لا تشكل خطراً حقيقياً على الطائرات الأمريكية المتقدمة، لكن الواقع على الأرض بيّن خلاف ذلك. فالدفاعات الجوية اليمنية، رغم تصنيفها بأنها محدودة، نجحت في إحداث ثغرة حقيقية في الهيبة الأمريكية، حين كادت أن تسقط طائرات حربية متقدمة من طرازي F-16 وF-35، وهو ما أثار حالة من القلق داخل القيادة الأمريكية حول مدى جاهزية هذه الطائرات لمواجهة خصوم أكثر تطوراً مثل الصين أو روسيا.
اسقاط 7 مسيرات ومقاتلتين F-18 وومعركة استنزاف باهظة التكلفة
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الحوثيين أسقطوا 7 طائرات استطلاع أمريكية بدون طيار من طراز MQ-9 خلال الأسبوع الأول فقط من العملية، وهو ما شكّل ضربة معنوية ولوجستية كبيرة للجيش الأمريكي، وأظهر ارتباكاً في الحسابات الاستراتيجية التي بُنيت عليها الحملة.
ولم تقتصر الخسائر على الذخائر فحسب، بل شملت غرق مقاتلتين أمريكيتين من طراز F-18 في البحر الأحمر، نتيجة هجمات نوعية نفذها الجيش اليمني، مما زاد من تعقيد المشهد العسكري، وأظهر هشاشة السيطرة الجوية الأمريكية في منطقة الخليج والبحر الأحمر.
فيما كشفت شبكة “إن بي سي نيوز” نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن البنتاغون استخدم خلال المواجهة نحو ألفي قنبلة وصاروخ بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 775 مليون دولار، في محاولات متكررة لإضعاف البنية العسكرية للحوثيين، لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب، بل اعتبرها الخبراء فشلاً استراتيجياً جديداً للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
مشاركة سعودية بالحملة المهينة
ووفقاً لتقرير “نيويورك تايمز”، فإن السعودية كانت الشريك الإقليمي الرئيسي في الحملة، وقد دعمت المقترح الذي قدّمه قائد القيادة المركزية الأمريكية، والذي يقوم على حملة مدتها 8 إلى 10 أشهر تستهدف تدمير أنظمة الدفاع الجوي اليمنية، تليها عملية اغتيالات مركزة لقيادات الحوثيين.
وبالفعل قدمت الرياض قائمة بأسماء 12 من القادة الحوثيين الذين يُعتقد أن استهدافهم سيضعف الحركة، لكن النتائج جاءت معاكسة، حيث عزز الحوثيون مواقعهم وتصاعدت عملياتهم الصاروخية والمسيّرة بشكل أكثر دقة وفعالية، وهو ما شكّل إحراجاً كبيراً للحسابات المشتركة بين واشنطن والرياض.
وقال المسؤولون إن إدارة ترامب كانت تأمل في تحقيق اختراق سريع يُبرر الحملة، لكن البنية المعلوماتية والاستخبارية للحوثيين كانت أقوى مما كان متوقعاً، حتى أن بعض الضربات الجوية لم تنجح في الوصول إلى أهدافها، بينما تم اعتراض أخرى بشكل كامل.
الحوثيون يوجهون صفعة استراتيجية باستهداف حاملات الطائرات الأمريكية
ولم تقتصر العمليات الحوثية على الأجواء اليمنية فحسب، بل امتدت إلى أعالي البحار، حيث أكدت المصادر أن الحوثيين شنوا عدداً من الهجمات النوعية على حاملات الطائرات الأمريكية المنتشرة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، باستخدام طائرات مسيّرة متقدمة وصواريخ دقيقة، أدت إلى إصابات جزئية وإلحاق أضرار مادية كبيرة بالقطع البحرية الأمريكية.
واعتبر هذا التصعيد نوعاً من التصعيد النوعي، حيث تحول الحوثيون من مجرد فصيل محلي إلى جهة تملك القدرة على استهداف العمق العسكري الأمريكي واستنزافه بمعدات بسيطة ولكن فعالة.
واشنطن تخسر الحرب قبل أن تخسر السلام
وذكرت الصحيفة أن إدارة ترامب كانت تخطط لإعلان “نصر وهمي” على الحوثيين إذا توقفت الهجمات ولو بشكل مؤقت، لكن الحوثيين استمروا في تصعيد عملياتهم بزخم أكبر، ما أفقدها الذريعة السياسية التي أطلقت من أجلها الحملة، وعرى الواقع المرير الذي واجهته القوات الأمريكية في الميدان.
وقال مصدران مطلعان إن ترامب طلب من البنتاغون “نتائج سريعة”، لكن الإدارة الأمريكية فوجئت بعدم وجود تقدم حقيقي على الأرض، خاصة في ظل استمرار إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي، وعبر الممرات البحرية الدولية، وهو ما دفع القيادة الأمريكية إلى إعادة النظر في كل الحسابات.
الوساطة العمانية تنقذ ترامب من الفضيحة
في لحظة تحول دراماتيكية، تدخلت السلطنة العمانية كطرف وسيط ، ونجحت في إبرام تفاهم مع الحوثيين يقضي بتوقف الهجمات على السفن الأمريكية مقابل وقف الضربات الجوية على اليمن، وهو ما وصفته بعض الدوائر السياسية بأنه خروج أمريكي مُهين من التصعيد، بعد فشل الحملة في تحقيق أي من أهدافها الرئيسية.
وأكدت “مجلة فورين أفيرز” الأمريكية أن الحوثيين لم يقدموا أي تنازلات خلال المفاوضات، وأن الاتفاق جاء متوافقاً مع الشروط التي أعلنوها منذ بداية الأزمة، ما يعكس فشل الضغوط الأمريكية في كسر إرادة الجماعة أو فرض تسوية على نحو يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
وجاء الاتفاق العماني بعد تصاعد الضغوط الداخلية في واشنطن لإنهاء الحملة، لا سيما من قبل رئيس هيئة الأركان الجديد الجنرال كين وعدد من كبار المسؤولين العسكريين، الذين عارضوا تمديد العمليات بسبب غياب النتائج الملموسة وتكثيف الاستنزال في الذخائر المتطورة، والتي تقدر بملايين الدولارات لكل ضربة تنفذها الطائرات الأمريكية.