المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    إسرائيل القاطرة المشتعلة

    “الاحتلال يقاتل ثم يقاتل ويقاتل بكل ما أوتي من قوة وبأس وجبروت، يقاتل ويقاتل و يقاتل بكل وحشيته وعنفوانه وقسوته يقاتل قتالا مريرا متصلا لا ينتهي حتى يفقد القدرة والرغبة والدعم للاستمرار في القتال وهذه سنة الله في كل احتلال”.

    عدت للكتابة مجددا بعد سنوات من الانقطاع، ولا اخفيكم ان للكتابة سحرا خاصا يتيح لنا تفقد كلماتنا وترتيب افكارنا وجعلها اكثر اتساقا ووضوحا وقدرة على تفسير ذاتها وتوضيح نفسها، اما سبب عودتي للكتابة مجددا فهو رغبتي في توضيح بعض مغالطات أصحاب فكر الهزيمة وعقلنة الخيانة، لأننا نعيش في زمن عجيب يمسي في الحليم فاقدا لعقله ويصبح في العاقل يقلب صفحات الجنون في كتاب الحياة المفتوح، نحن في زمان أضحت فيه الهزيمة ديناً وعقيدةً يُنظر لها وترص لها الحجج والدلائل المنطقية وربما ادق من وصف هذا الشذوذ العقلي والروحي والنفسي والإنساني، هو المتنبي حين قال: ” يرى الجبناء أن العجز عقل … وتلك خديعة الطبع اللئيم ”

    نحن في زمان أصبحت الهزيمة عقل والخيانة عقلانية وحالة الانسحاق والهوان التي لم يعرف مثلها انسٌ ولا جان هي قمة العقل والعقلانية.

    في هذا الزمان الذي اختلطت فيه كل هذه المفاهيم وخرجت علينا جيوش “الخُشب المُسندة” وكتائب “الألسنة الحِداد” ومنظري “لو كانوا معنا ما ماتوا وما قتلوا” ودعاة “لو نعلم قتالا لاتبعناكم” في غمرة كل هذا الهراء والهباء والغثاء قررت ان ابقي عيني على إسرائيل ما الذي يحدث فيها والى اين تذهب؟

    السابع من أكتوبر شكل هزة في الوعي الجمعي الإسرائيلي على كل المستويات فعلى المستوى العسكري ظهرت إسرائيل في لحظة عجز وعاش شعب المستوطنين ساعات من عدم اليقين والخوف الوجودي، على المستوى الاستخباراتي كان زلزالا بقوة تسعين درجة حطم ثقة الاستخبارات التي كانت تدعي انها تعلم ما يدور بين المرء وزوجه وما يدخر الناس في بيوتهم وما يأكلون بل وكادت ان تقول انها اقرب للفلسطيني من حبل الوريد، على المستوى السياسي وجهت صفعة بل لكمة هائلة لنتياهو الذي وقف على منبر الأمم المتحدة وكان عنوان خطابه اشبه بقوله “من اشد مني قوة” وأليس ليملك إسرائيل وهذه الأنهار تجري من تحتي؟

    لاشك انها كانت لحظة زلزالية افقدت إسرائيل عقلها وتوازنها وهنا بدأت الحرب، بدأت إسرائيل حربها لا لتنتصر بل لتنتقم وهنا فقدت الحرب اول تعريف لها وواحدا من اهم أسسها بأنها وسيلة لفرض واقع سياسي جديد وإخضاع الخصم للاتفاق السياسي الذي يحقق اكبر قدر من
    المصالح.

    تحولت حرب إسرائيل الى انتقام بحت وتوسعت الجبهات لتجد إسرائيل نفسها تقاتل في غزة والضفة ولبنان واليمن وسوريا، وأصبحت هذه الحرب لا تسير بقرار سياسي او عسكري بل تسير بقوة احداثها ومجرياتها مما فرض واقعا جديدا على إسرائيل لمتعهده في السابق وهو انها مضطرة للقتال لفترة طويلة جدا وستطول اكثر لأن الحاجة من القتال ليست فرض واقع جديد في نوع من التفاهم بل لفرض الخضوع التام للغطرسة والعلو والقوة المطلقة.

    أصبحت إسرائيل في حربها هذه اشبه بقطار يسير على سكة وامامه مراحل لا يمكن ان يتخطها او يلتف حولها بل عليه ان يمر من خلالها، على إسرائيل ان تمر من خلال حرب طويلة في غزة حرب عصابات طويلة ومنهكة ومستنزفة واهم ما تستنزفه هو قدرة المجتمع الإسرائيلي وشرعية إسرائيل في العالم التي أصبحت في قاع لم يكن احد يتخيلان تصل اليه.

    والمجتمع الإسرائيلي اصبح في حالة انقسام بين من يخدم ولا يخدم بين من يقاتل ولا يقاتل، جنود الاحتياط يتآكلون اقتصاديا ونفسيا وتصنيف إسرائيل يهبط اقتصاديا وامنيا في سبيل حرب الانتقام.

    وتستمر القاطرة لتصبح الان قاطرة مشتعلة بحريق داخلي يشعله اليمين الإسرائيلي في اركان المجتمع الإسرائيلي، اليمين الإسرائيلي فكك الجيش والشاباك والمحكمة العُليا وأصبحت صورة إسرائيل في العالم هي صورة بن جفير وسموتريتش؛ وتسمر القاطرة المشتعلة تجر خلفها القطار المطرب على سكة حتمية من الصراعات والحروب جبه ستشتعل في لبنان وأخرى في سوريا والتي لا يمكن لإسرائيل ان تسمح باستقرارها وجبهة في الضفة الغربية التي ستواجه إسرائيل أهلها عاجلا ام آجلا لأنها الهدف الاستراتيجي وقلب إسرائيل الكبرى الذي لا يمكن الاستغناء عنه، كل ذلك في ظل نظام عالمي اخذ بالتغيير والتبدل.

    إسرائيل تسير على سُنةِ كل استعمار سبقها يقاتل ويقاتل المعركة تلو المعركة والحرب تلو الحرب حتى يُنهك من الداخل والخارج ويفقد القدرة والحافز للاستمرار وهذا ما يحدث الان وهذا ما حدث في الجزائر وفيتنام وليبيا وفي كل مكان طغى فيه الاستعمار.

    فعندما نعقد المقارنة التاريخية لا يمكن الا ان نرى نفس النهج ونفس والوسائل وبالتالي نفس النتيجة وهي الانهاك الطويل المستمر والمُجهد للاستعمار، ولكن في الطريق الى ذلك يريق بحور الدم ويكوم اكداس الجثث ويجعل المدن اكوام خرائب لأنه يدافع عن وجوده وكلما اصبح اكثر انهاكا وتعبا صار اكثر وحشية ودموية.

    نعم تنتظرنا سنوات من الألم والدم والردم والصراع سنوات طوال عجاف شداد ما رأيناه خلال هذه الحرب هو بدايتها والقادم اشد ولكن في نهاية هذه الصراع لن تكون هذه الدولة موجودة لأن هذه هي طبيعة الأشياء وكل من قرأ التاريخ يرى نفس النهج ونفس النمط بل ونفس الأساليب فلا عجب ان نرى نفس النتيجة وهي زوال الاحتلال لأن هذه هي الحتمية الوحيدة المؤكدة، لذلك لا يريد منا أصحاب فكر الهزيمة ان نستذكر التاريخ وان نستحضر من قاتلوا وقُتلوا وسبقونا في الجزائر وفيتنام وليبيا وكل مظلومي الأرض يقول هؤلاء “هذه الدول ليست مثلنا” “مساحتها اكبر” “دعمها اكثر” او يسوقوا اية حجة أخرى المهم ان نشتري منهم اسفار الهزيمة التي يصرون على بيعها لنا بيع التاجر اللحوح كاسد البضاعة كثير الدَين وأقول لهؤلاء كلمتين “تبا لكم” ولكن اقولها بإنجليزية الأفلام وبترجمة غير التي نراها على الشاشة.
    ـــــــــ
    عزام أبو العدس

    spot_imgspot_img