الرئيسية زوايا وآراء فرعون وزيارته التاريخية إلى قوم لوط

فرعون وزيارته التاريخية إلى قوم لوط

لم يكن فرعون مجرد حاكم ظالم وحسب، بل طاغوت يمتلك مشروعاً شيطانياً يريد أن يطفئ به نور الله، وكان له طرق وأساليب لتعميمه بين الناس، منها الأسلوب الدعائي بأن منهجه هو سبيل الرشاد، إضافة إلى القمع لكل من يخالفه في الرأي، أو تسليط فئة على أخرى ضمن سياسة فرق تسد التي ابتدعها ولا تزال قائمة إلى اليوم.

هذه النزعة الاستعلائية، والرؤية المتعالية التي يتبناها فرعون تجاه شعبه، تجد لها صدى في شخصية ترامب، الذي يرى في نفسه قوة لا تقهر ويتعامل بفوقية مع الآخرين، مستخدماً خطابه الدعائي لتبرير أفعاله وسياساته، تماماً كما فعل فرعون. وكلاهما، فرعون وترامب، يعتمدان على مبدأ تفتيت الصفوف وإضعاف المجتمعات من خلال سياسة فرق تسد، وتسخير المال والنفوذ لخدمة مصالحهما ومشاريعهم السياسية الخاصة، ساعين لتشكيل تحالفات تخدم هذه المصالح حتى لو كانت على حساب حقوق الشعوب الأخرى.

بالمقابل، فإن قوم لوط عبارة عن أمة مترفة وتائهة، ليس لديها أي مشروع ديني أو ثقافي مرتبط بالحق والمنهج الإلهي، وقد أدى بها هذا الخواء الديني، ومعه الترف، إلى التدرج في الملذات حتى انتهوا إلى مراحل حرجة من الفحش والانحطاط الأخلاقي، ما أدى إلى انعدام القيم التي كانت سائدة في حينه، كإكرام الضيف وحماية الملهوف، وقد ظهر قبحهم الأخلاقي في طريقة تعاملهم مع ضيف نبي الله لوط.

هذا الوصف لحال قوم لوط المترف والمنغمس في شهواته، والذي يعاني من فراغ روحي وثقافي، يجد له انعكاساً في واقع بعض سكان الخليج الذين يعيشون في بحبوحة من العيش، لكنهم في كثير من الأحيان يفتقرون إلى مشروع نهضوي حقيقي أو رؤية ثقافية واضحة، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال الخارجي والوقوع في براثن الانحطاط الأخلاقي والقيمي. وكما أظهر قوم لوط ضعفاً أمام شهواتهم، قد يظهر بعض سكان الخليج ضعفاً أمام إغراءات القوى الخارجية وابتزازها المالي.

فماذا لو تسنى لترامب -أقصد فرعون- أن يحكم هذه الأمة، وأن يسيرها بالدهاء المعهود عنه وعن قومه؟
باختصار: لن يختلف الحال كثيراً عما نراه اليوم من ابتزاز ترامب غير المنطقي لدول الخليج، وكيف يقودهم إلى أن يدفعوا أموالهم لخدمة مشروعه الصهيوني وهم صاغرون، وكيف يجعل منهم أدوات قذرة يسلطها على أعداء الكيان الصهيوني، بعد أن يقنعهم أن مصلحتهم من مصلحته، وأن أصحاب الحق المعتدى عليهم في فلسطين المحتلة هم أهل الباطل والمعتدون على من يحتل أرضهم.

لم يكن قوم لوط حالةً شاذة في التاريخ فحسب، بل نموذجاً متكرراً لأمم فقدت هويتها، فاستسلمت لشهواتها، وسلّمت زمام أمرها لمن يحسن تزيين الانحطاط وبيعه على هيئة تقدم. لقد باعوا آخرتهم بدراهم معدودة من الترف، ورضوا أن يتحولوا من أمة إلى أداة، ومن شعب إلى سلعة سياسية في يد من يتقن فن الاستغلال.

وهنا تكتمل الصورة: فرعون، بجبروته القديم، يجد نفسه اليوم في هيئة ترامب، بخطابه الفجّ، وابتزازه المفضوح، وتغريداته التي لا تقل سُمّاً عن أفاعي نهر النيل.

وقوم لوط، بترفهمترؤ وانغماسهم في الملذات، لا يختلفون كثيراً عن بعض الأنظمة الخليجية التي رضيت لنفسها دور المموّل الرسمي لكل مشروع يهدم القيم ويخدم الطغيان، بشرط أن تبقى على عروشها، ولو على حساب الكرامة والدين.

ترامب – فرعون العصر – لم يحتج عصا ولا سحرة، بل فقط بضع قواعد عسكرية، وصفقات سلاح، وأوهام حماية من عدو مختلق. أما أولئك “القوم”، فقد سارعوا للانبطاح، لا فرق لديهم بين هارون وكوشنر، ولا بين نصرة المظلوم وتصدير البيانات المستنكرة على الورق فقط.

وهكذا… عاد فرعون، ولكن هذه المرة عبر الطائرة الرئاسية، لا عبر النيل، ووجد قوم لوط بأشكالهم المعاصرة: مترفين، تابعين، يتقنون التصفيق… وينتظرون الهلاك وهم يظنون أنهم في حماية التحالفات الدولية.

لكن ما لم يدركه الجميع… أن العدالة الإلهية لا تسكت طويلاً،
وأن التاريخ، وإن أعاد نفسه،
فإن العاقبة دائماً… ليست للذين باعوا أنفسهم،
بل للذين صبروا على الصدع بالحق،
ولو سُمّوا في الإعلام… بأهل الإرهاب والتطرف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد محسن الجوهري

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version