الرئيسية أخبار وتقارير الظاهرة اليمنية مُربكة فهما وتدبّرا وتعرّفا سياسيا وعسكريّا

الظاهرة اليمنية مُربكة فهما وتدبّرا وتعرّفا سياسيا وعسكريّا

الظاهرة اليمنيّة مُربكة، أقصدُ أنّها مُربكة فهما وتدبّرا وتعرّفا. دون ذلك، وهذا صار معلوما، هي مُربكة سياسيا وعسكريّا. شرف عظيم لليمن ولليمنيين أن يكون مكر الله، أو التّاريخ بهم.

شرف لليمنيين أن يكون مُنعطف دالّ ومتين بهم، أن يكون اللامتوقّع أو المُنتظر منهم. نيل هذا الشرف يطلب أثمانا ولا شكّ واليمنيون يدفعونها فخورين مطمئنّين ولكن هذه الأثمان لا شيء في مقابل إنجاز اليمنيين الجمعي.

هو إنجاز لهم ولغيرهم ونحن كعرب ومُسلمين مشمولين ببركة ما يُنجز اليمنيون. قلت أنّ الظاهرة مُربكة فهما. فهم الآخر يطلب بعض الشبه به ليستقيم ويمتُن ويُقنع. بصراحة وإذا نظرنا من زاوية العرب والمُسلمين من يُشبه اليمنيين؟ هم متفرّدون حتّى إذا قارنتهم بمكونات الحلف الذي يرتبطون به. هناك ما يجمعهم برجال غزّة وبرجال بين لبنان والعراق وإيران ولكن، ومع ذلك، لهم خصوصيّتهم وهي خصوصيّة يشهد لهم بها الإيرانيون مثلا وهؤلاء هم الذين دشّنوا طور موت يوزّع بين أمريكا وإسرائيل.

منذ 2015 تقريبا وأنا أبحث عن سرّ هذه الخصوصيّة وأسأل إن كان بإمكان من حُرم َ الخصوصيّة أن يحسم أمر الخاصّ فردا وجماعة. لذلك فقولي في الظاهرة نسبيّ جدّا. هي خصوصيّة أشمّها ليس أكثر وأستشعر وقعها. عندما أقارن نفسي بهم أراني زجاج تكسّر فلا يُعاد له سبكٌ وأراهم سبكا لم تفلّ فيه الأيّام. نحن أمام ظاهرة معقّدة مركّبة لجهة نتائجها الماثلة والقادمة ولكنّها هكذا بمقدّمات بساطة، هي بساطة مُزعجة ومُعجزة في آن.

من قال أنّ القوّة في تعقيدات مفاهيميّة وفي خطاب متحذلق وفي إحاطة بعلم الأوّلين والآخرين؟ نحنُ بُرمجنا هكذا ونُبرمج غيرنا أيضا. هي برمجة على المعقّد والتّعقيد. ومن قال أنّ صراعنا مع الصهاينة والمستعمرين يطلب خطباء مفوّهين وديبلوماسيين حذقين؟ هؤلاء تمرين قوّة يمتدّ منذ قرون ولا يخضعون إلا للقوّة التي يتركّب كلّ أمرهم بها وعليها.

الواحد عندما يضع مصر في كفّة، مصر بضخامتها وتاريخها وموقعها ورمزيّتها وأنصار اليمن في كفّة ماذا عساه يقول؟ لا وجه للمقارنة جملة وتفصيلا. مع ذلك وإذا كتب الله لهذه الأمّة الذليلة المُهانة فرجا فذلك لن يكون ببركة مصر وإنّما ببركة الأنصار. البركة هي الخصوصية.

لا تأتي الصهيونية ما تأتيه من إجرام اليوم إلّا لأنّها نجحت في خصي خصوصيتنا كعرب وكمسلمين. كيف يقدر العربي والمسلم وقد صار شبيها جدّا بالصهيوني أن يقهر الصهيوني. إذا كان هذا الأخير هو المُستبطَن فهو حتما القاهر والأقوى. اليمنيون لا يستبطنونه ولا يستبطنون الأمريكي. حفاة هذا صحيح ولكنّ التطاول في البنيان لا يعني لهم شيئا. عرفوا الناطحات قبل غيرها وعلموا أنّها لا تدوم. من يحجّ اليوم إلى مكّة لا ينبهر بالكعبة كما ينبهر بالناظرات حول الكعبة وكأنّها تسجنها وكم تبدو المسكينة صغيرة أمام الأبراج.

طبيعي أن يكون الخليجي اليوم، أقصد الغالبية، أمريكيا وصهيونيا. يتشرّب أمريكا وإسرائيل في كلّ آن وحين. حُرمنا البركة وترجمة ذلك حرمان الخصوصية وأقصد العبقريّة العميقة السّاكنة في الجينات. نتعرّض منذ عقود بل منذ قرون إلى ما يشبه القصف الجيني وهو أخطر القصف. قصف جيني أو تشويه عبقريّة: لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

إذا العربي يرى نفسه أعلى قيمة إذا طنطن بأنجليزية أو بفرنسية ماذا يبقى له من هوية وخصوصية وبركة ؟ انظروا عربيّة اليمنيين: متينة مُعبّرة وصادقة. حافظت كتلة يمنيّة وازنة على عُذريّتهم الباطنية وفقدها غيرهم بنسب متفاوتة وبأماكن هي نسب مخيفة مثبّطة. ماذا يفعل غير اليمنيين؟ أراهم يرتقون هذه العذريّة وبمرّات ولا ينجحون. حتّى الإسلاميين وهم يتغنّون بالأصول الأولى يفشلون. أراهم يفشلون أكثر من غيرهم: يلعنون الغرب وقد تسرّبت مفاهيمه اليهم. يفخرون بمرجعية إسلامية ولا يدركون أنّ هذه المرجعية كما يفهمونها طمثتها مناهج الإغريق واللاتين.

يتوعّدون الصهاينة ويقتبسون ممّا تقوم عليه الصهيونية عندما يمجّدون الفئة الناجية ويحاصرون، أو هكذا يحسبون، البدع. يناكفون العلمانيين وهم جوهرا حركة علمنة وأرضية وسلطنة إسلام. ما الذي يُفترَض أن نسمّيه “ما بأنفسنا”؟ هل هو خطابنا؟ هل هي مُفرداتنا؟ هل هي مشاريعنا السياسية؟ لا شيء من هذا. ما هو بحقّ “ما بأنفسنا” مسألة أكثر عمقا وتعقيدا ووحدهم أهل اليمن يقدرون على فكّ هذا اللغز وتدريسنا فنّ تغيير ينطلق من عمقنا.

لم يتلوّث اليمني كثيرا. بقيت فيه بقيّة عظيمة وهي التي تدير المعركة. لا هي فلسفة ولا هي علوم دين موغلة ولا هي تفصيل تيميّ مملّ في التوحيد. انظروا ماذا يقولون في الإعلام: كلمات بسيطة ولكنّها صادقة وعمليّة. لا ثرثرة ولا تسويف ولا طوباويات ولا تصنيفات ولا مجادلات. اليمني جريء كيف لا وهو يقصف أسطولا أمريكيا ولا يرفّ له جفن.

لا أحد غيرهم فعل ويفعل ذلك. معادلتهم بسيطة: أمريكا مُعتدية والله لا يحبّ المُعتدين. أمريكا قويّة ولكن الله أقوى. نقول ما يقولونه عن الله وقوّته. نقول قولا لا يتحوّل عزيمة ولا يتحوّل فعلا. يدخل علينا علم الممكنات وتشوّش علينا الواقعيّة ونشكّ في قولنا فإذا قلنا حبط القول. لهذا أقول مرّة بعد مرّة أنّ قضيّة الكفر والإيمان قضية بالغة التعقيد.

إذا عرضت نفسي على اليمني هل يبقى ظنّي بأنّني مؤمن؟ لا والله. أراني إلى الكفر أقرب وهذا عادي فالكفر برمجة معمّمة. طبعا الواحد ييسّر الأمر على نفسه: يفهم الإيمان صلاة وصوما وعمرة وحجّا فيطمئنّ. من لم يهجم عليه شكّ في إيمانه وهو ينقل العينين بين الساحات الملتهبة اليوم في مشكل تصوّري خطير.

هل المسلّح اليوم بالسوسيولوجيا والسيكولوجيا والأنتروبولوجيا والتاريخ علوما يفهم الظاهرة اليمنيّة؟ لا. لأمر بسيط، هذه ظاهرة لا تُفهم الّا بالمقدّمات التي تقوم عليها وهذه المقدّمات غير المقدّمات التي تقوم عليها علومنا الإنسانية الغربية منهجا ورؤية ويقينيات وأفقا. عندما تفرض الظاهرة اليمنيّة نفسها، هذا سيكون، سيكون فرضا علينا اعتماد مقدّماتها. لماذا يسحب ترامب قطعه البحرية؟ لأنّه لم يفهم.

كان يعتقد أنّه وهو القوي يواجه ضعيفا يسلّم له حتما. وجد أقوى منه والأقوى ليس اليمنيّ. الأقوى هو الذي يؤمن اليمنيون بأنّه الأقوى. هو الله. أن تقول أنّ الله قويّ ممكن ولكن أن تستبطنها كيّانيّا وبالكلّية أمر مشكوك فيه.

أحسب نفسي من الذين يقولونها ولكنّني لا أضمن لنفسي ولغيري ذلك التجلّي الذي يُبرزه اليمنيون في كلّ تفاصيلهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منصر الهذيلي

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version