لم يكن تحقيق الوحدة اليمنية في الـ22 مايو 1990م، قرارا ارتجاليا ولا عاطفيا ولا فرديا، بل سبقه حراك سياسي و اجتماعي نابع من إرادة شعبية قوية تمكنت من فرض مطالبها وإرادتها الحرة من أجل دمج الدولتين -آنذاك- والعمل على بناء يمن موحد وقوي يستوعب الجميع ويحمي حقوق ومكتسبات اليمنيين في كل ربوع الوطن.
لقد مثل هذا اليوم العظيم والمناسبة العزيزة وما تجسدت فيها من لحظات فارقة في حياة وتاريخ ومستقبل اليمنيين شمعة مضيئة وانطلاقة يمنية فريدة، حيث جاء توقيتها في ظل انقسامات وتشظ كبير شهدته دول عالمية كبرى- آنذاك- ما جعل من إعلان الوحدة اليمنية مشهداً حافلاً أعاد رسم ملامح المنطقة وغير مكانتها بين الأمم .
نحتفل اليوم بالذكرى الـ 35 لعيد الوحدة اليمنية في ظل مرحلة حساسة ومفصلية تمر بها بلادنا وواقع مليء بالتناقضات والتجاوزات التي جعلت من هذا المنجز الوطني فريسة سهلة في متناول الأعداء، بعد أن كان الصخرة الصلبة التي تكسرت أمامها مؤامرات الأعداء ومخططاتهم التشطيرية، الأمر الذي جعل من هذا المنجز نقطة خلاف واختلاف بين اليمنيين، لاسيما بعد أن وجد الأعداء فرصة للعبور إلى الداخل اليمني وفرض سياساتهم وأجندتهم على القرار اليمني.
ولحسن الحظ إن وحدة اليمن هي وحدة وطن وشعب وليست وحدة بين قيادتين أو نظامين أو مكونين سياسيين حاولا الانحراف بها عن إرادة الشعب الوطنية وأهدافها السامية واستغلالها للمتاجرة خدمة لمصالحهم الخاصة وتوسيع النفوذ، كما عمل على ذلك النظام البائد الذي جعل من الوحدة اليمنية ذريعة لنهب الموارد وتقسيم الثروات بين عائلته التي استولت على الأراضي والإيرادات النفطية في الوقت الذي حرم المواطن اليمني في الشمال والجنوب من أبسط الخدمات والحقوق الأساسية.
لقد عاشت الوحدة اليمنية مراحل مختلفة من الشد والجذب والتوترات الكبيرة التي خلقت من قبل أطراف سياسية وقوى متنفذة سعت إلى توسيع مصالحها وتعزيز نفوذها الذي يمكنها من الهيمنة الكاملة على كل مفاصل الدولة وهو ما يتعارض مع أساسيات ومبادئ وأبجديات الوحدة اليمنية التي جاءت من أجل تحسين جودة المعيشة للمواطن والعمل على بناء دولة قوية وموحدة يعيش فيها اليمني بكل حرية وعزة وعدالة ، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد أن تمكن النظام البائد من فرض هيمنته والالتفاف على الوحدة ومبادئها وأهدافها وجعل منها رهينة لشخصه ومطامع عائلته المتنفذة.
ورغم كل تلك الأخطاء والتجاوزات التي تعرضت لها الوحدة ودفع ثمنها اليمنيون ولا سيما أبناء المحافظات الجنوبية، إلا أن ثورة الـ21 من سبتمبر وقيادتها المباركة ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، جاءت مخلصة ومنقذه لهذا المنجز اليمني العظيم، بعد أن حملت على عاتقها تصحيح هذه الاعوجاجات والتجاوزات بما يضمن حياة كريمة وعادلة لجميع اليمنيين في الشمال والجنوب وإيذانا بعصر جديد قد حل لتبنى خلاله الدولة الوطنية الحديثة والتفرغ لاستخراج خيرات اليمن التي حباه الله بها.
واليوم وبعد مضي 35 على هذا المنجز اليمني، تواجه الوحدة اليمنية تهديدات مصيرية مع توسع الدعوات الانهزامية الممولة من بعض الأنظمة الإقليمية المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، وسط انهيار وفوضى عارمة تشهدها مناطق سيطرة الاحتلال وحكومة المرتزقة، التي عجزت عن مواجهة هذه الدعوات التشطيرية، وفشلت في حماية هذا المكسب اليمني أمام المؤامرات الخارجية التي تزداد يوما بعد يوم وتهدد وحدة وسلامة الأراضي اليمنية .
طارق سلام – محافظ محافظة عدن