أظهر تقرير غربي نُشر في صحيفة “il faro sul mondo” الإيطالية أن اليمن دخلت مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، هذه المرة على الصعيد البحري، من خلال فرض القوات المسلحة اليمنية حصارًا بحريًّا جديدًا على ميناء حيفا الإسرائيلي، أحد أهم الشرايين الاقتصادية للكيان الصهيوني، والمعروف بـ”بوابة إسرائيل إلى العالم”.
وجاء هذا القرار كرد فعل طبيعي على استمرار التصعيد العسكري والسياسي من قبل الكيان ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث رأت القيادة العسكرية اليمنية أن الوقت قد حان للانتقال من التصريحات السياسية إلى خطوات عملية أكثر تأثيرًا، من خلال استهداف البنية الاقتصادية للكيان وتعطيل الحركة التجارية التي تعتمد بشكل كبير على الموانئ الإسرائيلية.
يُعد ميناء حيفا، الواقع شمال غرب فلسطين المحتلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، من أهم الموانئ الاستراتيجية للكيان، ويتعامل مع أكثر من 30 مليون طن من البضائع سنويًّا، وهو يخدم مئات الشركات الصناعية والتجارية، ويُعتبر حلقة وصل رئيسية بين آسيا وأوروبا عبر طريق التجارة العالمي الذي يمر عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر وقناة السويس. ومع التوسعات الأخيرة التي شملت تشغيل محطة حاويات جديدة بالتعاون مع شركة SIPG الصينية، تحول الميناء إلى مركز استراتيجي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، ما جعله محور اهتمام اقتصادي عالمي.
إعلان صنعاء عن إغلاق الميناء أمام السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني أو العابرة إليه أثار قلقًا اقتصاديًّا عميقًا داخل المؤسسات الإسرائيلية، خصوصًا بعدما بدأت الاختناقات والتوقفات تضرب حركة الشحن، مما أدى إلى تأخير البضائع الأساسية وارتفاع تكاليف النقل والتأمين البحري. وتوقعت تقارير اقتصادية، منها تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في يناير 2025، أن يؤدي أي تعطيل مستمر لهذا المسار إلى خسائر تقدر بمئات الملايين من الدولارات شهريًّا، نتيجة انقطاع تدفق المواد الخام والمعدات الصناعية والمنتجات الاستهلاكية.
ورغم عدم امتلاك اليمن لأسطول بحري تقليدي قادر على فرض الحصار بطريقة مباشرة، فإن استخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ البحرية الدقيقة، إلى جانب الموقع الجغرافي الاستراتيجي عند مضيق باب المندب، أعطاها أدوات بديلة فعّالة لتحقيق أهدافها دون الحاجة إلى وجود بحري مباشر. وقد أصبح واضحًا أن اليمن باتت تمتلك القدرة على تعطيل الحركة البحرية الدولية في حال تم استهدافها ضمن استراتيجية مدروسة.
من الناحية الاقتصادية، فإن استمرار الإغلاق المطول للميناء قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف الاستيراد وضغط على الموانئ البديلة مثل أشدود وعسقلان، ما سيؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإنتاج والاقتصاد الوطني، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الغذاء والدواء والتكنولوجيا الفائقة.
ويرى التقرير أن الحصار اليمني على ميناء حيفا لا يمثل أزمة بحرية مؤقتة فقط، بل هو مؤشر على تحول جذري في طبيعة الصراع الإقليمي، حيث لم تعد الجبهات العسكرية هي الوحيدة التي تُحدد موازين القوى، بل ظهرت جبهات اقتصادية وبحرية جديدة تُعيد رسم الخارطة الاستراتيجية في المنطقة. ومع تصاعد دور اليمن كفاعل إقليمي، يواجه الكيان الصهيوني تحديًا حقيقيًّا في الحفاظ على مواقعه الاقتصادية والاستراتيجية، ويعيد النظر في موقعه الإقليمي في ظل تغيرات سياسية وعسكرية متسارعة.