كشفت مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، المتخصصة في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، أن الحملة العسكرية الأمريكية في اليمن كانت مضللة منذ بدايتها، وأنها لم تكن ضرورية لحماية المصالح الاقتصادية أو الأمنية للولايات المتحدة، بل تحولت إلى عملية باهظة الثمن لم تحقق أهدافها الاستراتيجية ولا حتى الجوية منها.
وأشارت المجلة إلى أن الضربات الحوثية التي استهدفت السفن في البحر الأحمر خلال الأشهر الماضية، لم تكن موجهة بالأساس ضد الولايات المتحدة، بل كانت موجهة ضد “إسرائيل”، وهو ما يجعل الحملة الأمريكية في اليمن مجرد غطاء سياسي لتدخل عسكري غير مبرر.
وأضافت أنه وبعد نفقات تجاوزت مليار دولار، لا يزال الوضع كما كان عليه قبل بدء العمليات، مع بقاء الحصار على الملاحة الدولية فعليًّا، وعدم استعادة أمريكا زمام الأمور في المنطقة.
وفي سياق تعليقها على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن “انتصار عظيم” بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار مع الحوثيين، رأت المجلة أن هذا الاتفاق لم يكن سوى إعادة للمشهد إلى ما قبل الحملة، حيث لم يتم تدمير البنية العسكرية للحوثيين، ولا تمكين واشنطن من السيطرة على الأجواء أو الموانئ.
وأكدت أن الاتفاق لم يمس قدرات الحوثيين العسكرية، ولم يمنعهم من مواصلة عملياتهم في البحر الأحمر والبحر المتوسط، وهو ما يعني أن الهدف العسكري الأمريكي لم يتحقق، وإنما تم التوصل فقط إلى تسوية سياسية مؤقتة، أسفرت عن خسائر مالية وبشرية كبيرة دون مقابل حقيقي.
واعتبرت المجلة أن قرار إدارة ترامب الانسحاب من اليمن كان خطوة صحيحة، خاصةً في ظل التكاليف الباهظة التي كلفتها العملية العسكرية الأمريكية، وتوقعات تصعيد أكبر مع استمرار القصف والغارات الجوية.
وأضافت أن فشل الولايات المتحدة في تحقيق التفوق الجوي في اليمن رغم استخدام قاذفات B-2 الشبحية و6 حاملات طائرات وصواريخ بعيدة المدى، يُظهر حدود القوة العسكرية الأمريكية أمام جماعات غير نظامية لكنها مُتطورة في استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة.
رغم إعلان وقف إطلاق النار، أكد أحد المسؤولين الأمريكيين أن الحوثيين ما زالوا يمتلكون بنية عسكرية قوية وشبكات دفاع جوي متقدمة، تشمل صواريخ برق-1 وثاقب-2 وصواريخ 358 (صقر-1)، بالإضافة إلى طائرات مسيرة معدلة ومعدات استهداف دقيقة، وهو ما يعوق عودة الشركات الملاحية الكبرى إلى البحر الأحمر، خصوصًا مع استمرار الحرب في غزة واستمرار الحوثيين في التهديد المباشر للكيان الصهيوني.
وأشار التقرير إلى أن القوة الجوية الأمريكية، التي اعتمدت على قاذفات B-2 وصواريخ JASSM بعيدة المدى، فشلت في إنهاء الصراع أو حتى توجيه ضربة استراتيجية حاسمة، مشيرةً إلى أن القوات الأمريكية لم تعد قادرة على تنفيذ مهمات فوق اليمن دون خطر الخسائر الكبيرة، وهو ما يُضعف قدرتها على فرض السيطرة الجوية الكامل.
وأضافت أن الطائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper، والتي كانت تُستخدم بشكل واسع في المهام الاستطلاعية والهجومية، فقدت أكثر من 20 طائرة خلال الأشهر الماضية، مما يُثبت أن هذه الطائرات لم تعد آمنة في وجه الدفاعات الحوثية الحديثة، حتى تلك التي تُعتبر محلية أو مُعاد تصميمها.
وخلصت المجلة إلى أن الحل الحقيقي لوقف الهجمات اليمنية على الملاحة الدولية، ليس في شن حروب جديدة في اليمن، بل في إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي يُعتبر الشرارة الحقيقية التي دفعت الحوثيين إلى توسيع نطاق عملياتهم، وإدخال العالم العربي والإسلامي في دوامة التصعيد.
وشددت المجلة على أن استمرار الحرب في غزة هو ما يمنح الحوثيين الذرائع الأخلاقية والسياسية والشعبية لمواصلة الضربات، وهو ما يجعل أي تدخل أمريكي مباشر في اليمن عديم الجدوى، بل قد يكون عاملًا مُعزِّزًا للجماعات المسلحة في اليمن وخارجها.
ما كشفته الأحداث في اليمن، وفق تحليل “ناشونال إنترست”، أن النموذج العسكري الأمريكي الجديد، الذي يعتمد على الحرب الجوية البعيدة والمكلفة، قد وصل إلى طريق مسدود، وأن الحوثيين، بقدرة محدودة نسبيًّا، تمكنوا من تدمير هذا الوهم وجعلوا من المستحيل على أمريكا فرض هيمنتها على سماء اليمن أو مياه البحر الأحمر.
ورأت أن الانسحاب الأمريكي من اليمن كان متوقعًا ومنطقيًّا، لكنه لم يكن كافيًا، إذ يجب على واشنطن الآن مراجعة شاملة لدورها الإقليمي، والتوقف عن استخدام القوة العسكرية كحل أولي لكل أزماتها، لأن الواقع الجديد يؤكد أن الزمن تغير، وأن المقاومة المسلحة باتت أقوى من أن تُركَع بحملات جوية مهما بلغت قوتها.