أكد موقع “UnHerd” البريطاني في تقريرٍ مطولٍ له، أن القوات المسلحة اليمنية كشفت عن هشاشة القوة العسكرية الأمريكية وانهيار قدرتها على فرض إرادتها في ساحات الصراع الجديدة، وهو ما ظهر جليًّا في فشل واشنطن في كسر الحصار البحري الذي فرضه الحوثيون على البحر الأحمر رداً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
وقال التقرير إن الرد الأمريكي الأول على هذا التصعيد جاء عبر عملية “حارس الازدهار”، التي جمعت تحالفًا دوليًا لحماية الملاحة في البحر الأحمر، لكنها انتهت بانسحاب معظم الدول المشاركة وفشلها في منع استهداف السفن.
وفي يناير 2024، تصاعدت العمليات مع إطلاق عملية “بوسيدون آرتشر”، والتي شنّت خلالها الطائرات الأمريكية والبريطانية غارات جوية متكررة ضد أهداف يمنية، لكن هذه العملية أيضًا لم تُحدث أي تغيير جوهري في المعادلة، ولم تردع الحوثيين كما كان متوقعًا.
ورغم الحملة العسكرية الواسعة التي شنّها ترامب تحت اسم “رافر رايدر” في مارس الماضي، والتي استخدمت 6 قاذفات B-2 شبحية نادرة وباهظة التكلفة، وأكثر من نصف حاملات الطائرات الأمريكية الفعالة في العالم، وأنفقت الولايات المتحدة ثروات طائلة على صواريخ بعيدة المدى ومعدات دفاعية متطورة ، إلا أن النتائج كانت خيبة جديدة للولايات المتحدة.
وقال الموقع إن صفقة وقف إطلاق النار التي أعلن عنها ترامب كـ”نصر عسكري أمريكي” ليست سوى استسلام مغلف بوعي سياسي ، إذ لم يرفع الحوثيون أيديهم عن البحر الأحمر أو عن استهداف إسرائيل، بل استمروا في تنفيذ عملياتهم دون أي قيود، بينما انسحبت أمريكا بعد فشلها في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
وأشار التقرير إلى أن الحملة الأمريكية في اليمن بيّنت بشكل واضح أن الحرب الجوية لم تعد وسيلة فعّالة لتحقيق السيطرة أو الإجبار السياسي، خصوصًا أمام دفاعات جوية غير تقليدية، تعتمد على الصواريخ المتوسطة والمسيرة المحلية والمستشعرات السلبية، وقدرات تصنيع واستهداف ذكية.
ولفت إلى أن الطائرات الشبحية مثل F-35 لم تعد آمنة تمامًا في سماء المنطقة، وأن حتى القاذفات الاستراتيجية مثل B-2 لم تستطع ضمان التفوق الجوي في وجه الدفاعات الحوثية، مما يدفع إلى التساؤل حول جدوى الاستثمار العسكري الأمريكي الضخم في الطائرات باهظة الثمن، في وقت تتحول فيه الحرب إلى أدوات أرخص وأكثر فتكًا بالأنظمة الدفاعية الحديثة.
وأوضح التقرير أن السبب الرئيسي لضعف التأثير الأمريكي ليس فقط في اليمن، بل هو نتيجة تراجع البنية العسكرية الأمريكية نفسها، حيث أشار إلى أن الطائرات والسفن والمعدات الأمريكية قد تدهورت بسبب السنين الماضية من الاستخدام الكثيف وعدم وجود خطط جادة لتجديدها.
وأضاف أن الصناعات الدفاعية الأمريكية لا تملك اليوم القدرة على تجديد مخزونها من الذخائر بعيدة المدى أو إعادة بناء أسطولها بنفس المستوى السابق، خصوصًا مع الاعتماد الكبير على مكونات مستوردة من الصين، والتي بدأت بفرض قيود على تصديرها.
وركز التقرير على أن الحوثيين، رغم فقر الدولة وانهيار اقتصادها، تمكنوا من بناء شبكة دفاع جوي فعّالة باستخدام صواريخ معدلة وإعادة توظيف صواريخ جو-جو روسية الصنع مثل R-73 وR-27T وR-77 ضمن أنظمة أرض-جو، إلى جانب تطوير صواريخ محلية مثل “برق-1” و”برق-2″، و”صقر-1 (358)”، وهي صواريخ ذات محرك نفاث ومستشعرات حرارية متطورة.
كما أكد أن الحوثيين أسقطوا ما لا يقل عن 20 طائرة MQ-9 Reaper أمريكية منذ أكتوبر 2023 ، وهو رقم يُظهر أن الطائرات بدون طيار الأمريكية، التي تُقدر بـ30 مليون دولار لكل واحدة، لم تعد آمنة في أجواء اليمن، وأن استخدامها بات محفوفًا بالمخاطر والخسائر.
وخلص التقرير إلى أن الواقع الجديد يُظهر أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على خوض حروب طويلة الأمد، ولا فرض هيمنتها على المسارات التجارية الدولية، وأن الانسحاب من اليمن ليس هزيمة، بل هو اعتراف بالحدود الواقعية لقدرات الجيش الأمريكي.
وشدّد على أن الاقتصاد الأمريكي نفسه لم يعد قادرًا على تحمل تكلفة هذه الحروب، خاصةً عندما تكون ضد خصوم غير تقليديين، وتعتمد على صواريخ تقل تكلفتها عن ألف دولار، مقابل صواريخ أمريكية تصل تكلفتها إلى ملايين الدولارات.
وطرح التقرير سؤالًا خطيرًا على البنتاغون وواشنطن: إذا كانت أمريكا، بعد كل ما أنفقت، لم تفلح في كسر قوة في رابع أفقر دولة في العالم، كيف ستواجه إيران، التي تمتلك شبكة دفاع جوي أكثر تطورًا، ومساحة أكبر، وقربًا استراتيجيًا من مضيق هرمز، الطريق التجاري الحيوي للعالم؟
وأشار إلى أن المسافات الطويلة بين الخليج العربي وقواعد انطلاق الطائرات الأمريكية، بالإضافة إلى قدرة الدفاعات الإيرانية على التعامل مع الصواريخ والطائرات الأمريكية، تجعل فكرة شن حرب جوية على إيران مجرد وهم كبير، خصوصًا مع النقص الحالي في الذخائر، وتدهور حالة الطائرات والقطع البحرية، وانهيار مستوى التدريب والصيانة داخل الجيش الأمريكي نفسه.
وصف التقرير الوضع بأن الولايات المتحدة تفقد تدريجيًّا قوتها العسكرية والاقتصادية، ومعها زخمها السياسي في الشرق الأوسط وخارجه، مشيرًا إلى أن اليمن لم يكن سوى مرآة عاكسة لهذا التراجع، حيث بات العدو يعرف حدود القوة الأمريكية، ويستخدم ذلك لإعادة رسم خريطة الصراعات القادمة.