الرئيسية أخبار وتقارير بين وهْم النصر والاعتراف بالفشل.. قراءة في مقال “ناشيونال إنترست” حول اليمن

بين وهْم النصر والاعتراف بالفشل.. قراءة في مقال “ناشيونال إنترست” حول اليمن

في خضمِّ التوترات الإقليمية والدولية المتصاعدة، طالعتنا مجلة “ناشيونال إنترست” اليوم الاثنين، بمقال يعد وثيقة سياسية وأمنية تعكسُ تحولات عميقة في مقاربة واشنطن للفشل العسكري في عدوانها على اليمن.

لم يكن مقالُ “ويل أ. سميث” مُجَـرّدَ تحليل لتكلفة حملة عسكرية، بل اعترافٌ صريح بفشل خيار القوة، وتمرُّدٌ نادرٌ على العقيدة الاستراتيجية الأمريكية التقليدية فيما يسمى بـ “الشرق الأوسط”، في هذه القراءة نسلّط الضوءَ على أبرز الدلالات التي أفردها الكاتب في سياق مقاله.

أولًا: المقال كمرآةٍ لفشل القوة الصُّلبة الأمريكية

من بين أهم الرسائل التي يستبطنها المقال الإقرارُ بهشاشة “الهيبة الأمريكية” حين تُواجه خصمًا غيرَ تقليدي يتمتع بمرونة ميدانية عالية وعقيدة قتالية عابرة وصمود مدهش؛ فالمقال لا يُجمِّلُ انسحابَ ترامب بوصفه “انتصارًا”، بل يصفه بواقعية مؤلمة: “عودة إلى الوضع الراهن”.

الجملة السالقة وحدها تفضح حجم الإخفاق العسكري، وتُبرز عبثية الحملة التي أنفقت نحو مليار دولار دون تحقيق نتائج استراتيجية.

ثانيًا: البُعد الأخلاقي والسياسي المغيَّب في المقال

على الرغم من محاولات الكاتب تصويرَ القرار بأنه رشيدٌ اقتصاديًّا واستراتيجيًّا، إلا أن ما بين السطور يُظهِر اعترافًا قاسيًا بأن العدوان على اليمن لم يكن مبرَّرًا أصلًا؛ كون عمليات اليمن تحمل البُعد الأخلاقي والإنساني.

المقال يُقر بأن اليمنيين لم يكونوا يستهدفون أمريكا، بل كَيان الاحتلال الإسرائيلي؛ لثنيه عن استمرار عدوانه على غزة، ويصرِّح الكاتب بأن دخول واشنطن المعركة جاء تلبيةً لضغوط من “تل أبيب” ورغبة في إظهار التضامن معها، لا استنادًا إلى تهديدٍ مباشر للأمن القومي الأمريكي.

ثالثًا: تراجع “العقيدة الهجومية” لحساب “البراغماتية السياسية”

المقال يُمهِّدُ لحقبةٍ جديدةٍ من التعامل الأمريكي مع من يصفهم بالخصوم الإقليميين، عنوانها “تحاشي الاستنزاف”؛ فبدلًا عن “إنهاء المهمة”، يدعو الكاتب إلى “احتواء الإخفاق” و”رفض الضغوط” لاستئناف العمليات.

موقفٌ يعكس تحوّلًا لافتًا في تفكير بعض النخب الأمريكية، من فرض الهيمنة بالقوة، إلى إدارة الأزمات بالحذر والمرونة، حتى وإن بدا ذلك تنازلًا سياسيًّا.

رابعًا: الدلالات غير المعلَنة لفشل الحملة

يُشير المقال إلى أن الغارات العدوانية لم تنجح في تقويض قدرات القوات المسلحة اليمنية، وهذه إشارة، رغم بساطتها، تعني أن كُـلّ البنية الاستخباراتية والتقنية الأمريكية عجزت عن التعامل مع قوات يمنية مدرَّبة منذ سنوات تحت الحصار.

خامسًا: رسائل المقال إلى الداخل الأمريكي

يتوجّـه الكاتب برسائلَ صريحةٍ إلى الشارع الأمريكي بالحذر من الانخداع بالمؤسّسة السياسية والإعلامية في واشنطن وما تسمِّيه لغة “المصداقية” و”استكمال المهمة”، فقد جُرّبت هذه الأساطير في أفغانستان والعراق، وكانت نتائجها كارثية.

ترامب -وفقًا للمقال- تصرف بعقلانية نادرة حين قرّر الانسحاب، ويجب دعمه في مواجهة أصوات التصعيد، وهذه دعوة واضحة لتبني سياسة “قطع الخسائر” في الملفات المعقدة؛ ليس لأَنَّها تضاعف الخسائر فحسب؛ بل لأَنَّها تكشف هشاشة القوة الأمريكية المزعومة.

سادسا: اليمن لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله

ما لا يُقال صراحة في المقال، ولكن يلمح إليه مرارًا، هو الاعتراف بأن اليمن بات قوة لا يُمكن تحجيمُها بضرباتٍ جوية، ولا تجاوزها في معادلات البحر الأحمر، وحسابات السيطرة والتوسع والانتشار.

بعد أن أعاد اليمن ترتيب أوراقه من الصفر وبنى قواتٍ مسلحةً بمختلف صنوفها، ويمتلك قرارًا مستقلًا، قادرًا على فرض معادلات اشتباك تتجاوز حدود اليمن.

عُمُـومًا؛ المقال يكشف أن أمريكا -رغم تفوقها العسكري- باتت عاجزة عن فرض إرادتها في منطقة ظلت لعقود ساحة نفوذ حصرية، وأن القرار بإنهاء العدوان على اليمن لم يكن خيارًا بل اضطرارًا.

وما وراء سطور المقال تُرسم ملامح واقع استراتيجي جديد، عنوانه الأبرز، أن “اليمن بات رقمًا صعبًا في إرباك الإمبراطوريات الكبرى”، ربما لن تكون هذه آخر حملة فاشلة، لكنها بلا شك من أكثرها صراحة في اعترافها بالفشل.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version