الرئيسية زوايا وآراء السلام عليك يا غزة في يوم النحر الأكبر

السلام عليك يا غزة في يوم النحر الأكبر

شربتِ المرارةَ حتى قاعِ الكأس، وأطعمتِ أطفالكِ صبرَ الحنظل، ثم نهضتِ كأنكِ لم تذوقي وجعًا قط.

السلام عليكِ يا غزة، في عيدكِ الرابع.. في يوم النحر الأكبر، عيد الأضحى الثاني لكِ، وأنتِ تردّدين تكبيرات العيد، وتلبية الفداء بالوفاء المكتوبة بالنار والدم والصبر الطويل.

السلام عليكِ يا غزة، يوم نهضتِ، ويوم حييتِ، ويوم لامستِ المجدَ المجروحَ بيدٍ مثقلةٍ باليقين.

السلام عليكِ يوم صبرتِ كما لم يصبر أحد، وربطتِ الجَأش كما لم يُرْبَط، واقتحمتِ الحصون كما يقتحم المؤمنون الموتَ بالحياة.

السلام عليكِ يوم اخترتِ المواجهة بدلًا عن التلاشي، والكرامة بدلًا عن الذل، والنار بدلًا عن القيود.

السلام عليكِ يوم رفضتِ أن تُسجني خلف الأسوار، أَو تُذبلي في زوايا الحصار، أَو تبكي على رمادٍ يتراكم في أمعاء الجوع والخِذلان.

السلام عليكِ يوم قرّرتِ أن تحاسبي الظالم، وتضربيه بقبضتكِ الصغيرة الثقيلة، المغموسة بملح البحر ودموع الأيتام ونواح الثكالى.

السلام عليكِ يوم شربتِ المرارة حتى قاعِ الكأس، وأطعمتِ أطفالكِ صبرَ الحنظل، ثم نهضتِ كأنكِ لم تذوقي وجعًا قط.

السلام عليكِ يوم كنتِ النور في زمن الظلام، والشمعة التي لم تمتدح الشمس يومًا، بل صارت شمسًا في زمن انطفأ فيه الضياء.

السلام عليكِ يوم ضحيتِ بالفرح لأجل الكرامة، وارتقيتِ بالوجعِ إلى مرتبة الشرف، وسكنتِ في قلوب الأحرار إلى الأبد.

السلام عليكِ يوم بعثتِ فينا الحياة من رماد اليأس، وفضحتِ الدنيا حين عميت عنكِ قرونًا طويلة.

السلام عليكِ يوم صعدتِ إلى السماء، بعد أن أوقدوا لهيبهم تحت مائكِ، فصرتِ سحابًا ثقيلًا، مزمجرًا بالرعد، خاطفًا بالبرق، مشبعًا بماء العزة وعبير الفداء.

السلام عليكِ يا طوفان العدل المصبوب على زوابع العالم، التي جمعت نفايات الطغاة وغبار الصمت وأوراق الخيانة المتساقطة.

السلام عليكِ يا لحظةَ التاريخ التي لا تشبه غيرها، يا ساعة التغيير حين تُدقّ الأجراس بأيدٍ ممزقةٍ لكنها باقية.

السلام عليكِ يوم اتكأ عليكِ العرب فلم تنكسري، وحين مالوا جُـــلّهم، رأيناكِ شجرةً من فولاذ لا تنكسر، تفيض بعزّة الزيتون؛ بطولة ورجولة.

السلام عليكِ حين ظنّوا أنهم أحرقوا ريشك المدرع، فظنّوا أنكِ سقطتِ، وما علموا أن قلعتكِ ما زالت منصوبةً في السماء، أعلى من مدى صواريخهم، وأطهر من أحلامهم الاستيطانية الشيطانية.

السلام على أمناء الطُّهر، وهامات الفتح، شيوخ الحق، من بيروت إلى صنعاء، ومن غزة إلى بغداد، إلى طهران؛ أُولئك الذين كتبوا على جبين الأرض شهادة الخلود والعزّ الشريف.

السلام على عصافير الجنة التي طارت قبل أوانها، بعد أن كتبت بدمها، آخر فصلٍ في وثيقة الإدانة.. ومهّدت الطريق للغد القادم لا محالة.

السلام على أُمهاتكِ -يا غزة- أُمهاتكِ وحدَهن قادراتٌ على إنجاب أُمَّـة كاملةٍ من الأبطال إن شاء الله، فقد يتعذَّبُ العالم دهرًا قبل أن يرى مثلَهن في الأرض.

السلام على الثابتين، الذين يعلِّمون الناس كيف يُجاهدون.. كيف يصبرون، ويقفون كأنهم رواسي الأرض، وجبال على جبال.

السلام على الحواريّين الذين يدبّون بأسلحتهم على أرضك، وتحت أرضك، وفي بحركِ الغاضب، وفي سمائكِ، حَيثُ تسبح أشرعتهم، التي لا تعرف إلا الرحيل إلى المجد.

اللهم أتمِمْ علينا، وعلى غزة، السلام، السلام العزيز الرحيم، السلام العادل المنتصر، السلام الممهور بجلال وعدك الحق يا ربّ العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد القوي السباعي

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version