أوضح الله في كتابه الكريم ملامح الصراع، وكشف عن أشكال الخلاف التي ستواجهها الأمة الإسلامية. وكان من أبرز ما ركز عليه: الصراع مع أهل الكتاب، وخطورة هذه الجماعة على الإسلام والمسلمين. فقد بيّن أنهم لا يكتفون بزراعة الفتن بين أبناء الأمة، بل يسعى اليهود والنصارى إلى القضاء على كل ما هو إسلامي، وحذّر في الوقت نفسه من خطورة التولي لهم كون ذلك من موجبات الردة، ومن أعظم الموبقات في الدين.
وفي سورة الإسراء، كشف الله عن مرحلتين من الإفساد لبني إسرائيل: الأولى سبقت المرحلة النبوية، وانتهت بانتصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم، حيث نجح بفضل الله في إخراجهم من صياصيهم، وتشريدهم في الأرض، بعد أن أكثروا الفساد في الجزيرة العربية، وحرّفوا المفاهيم، ونشروا الفساد الأخلاقي والربا، بل وجلبوا الوثنية، وجعلوها دينًا للعرب. وكل ذلك شكّل عقبة كؤودًا أمام الدعوة المحمدية، وصعّب مهمة النبي والذين آمنوا معه، إذ إن كل إفساد في الأرض ينتج عنه انحراف في القيم والمفاهيم والفطرة الإنسانية، وقد كان ذلك سائداً في الجاهلية الأولى.
وبعد أن نجح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إنهاء الإفساد الأول لبني إسرائيل، كان من المفترض أن تقتدي أمته به وتسير على نهجه في التعامل مع أهل الكتاب لكنها انحرفت عن وصيته فور رحيله إلى الملأ الأعلى تلك الوصية التي نصّت على تولي باب علمه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. وقد مثّل هذا الانحراف فرصةً لعودة بني إسرائيل إلى الواجهة بعد أن نالوا قسطًا كبيرًا من الحرية في ممارسة الفساد وباسم الدين هذه المرة، حتى أصبح اليهودي وهب بن منبه مفتياً للمسلمين بعد سنوات قليلة من وفاة النبي واستمرت الانحرافات حتى استقر لليهود الأمر مجددًا واستطاعوا أن يفرضوا هيمنتهم على العالم بعد أن نشروا فيه الفساد بكل أشكاله وعطّلوا الأمة الإسلامية وعزلوها عن مصادر قوتها، والمتمثلة في كتاب الله وعترة رسوله.
ونحن اليوم لا نزال نعيش المرحلة الثانية والأخيرة من إفساد بني إسرائيل ولا خلاف في ذلك فالكيان الصهيوني ليس إلا رمزًا لتلك الهيمنة، وصنمًا يعبده العالم الضال. والكوارث تتضاعف حين نعلم أن هذا الصنم يقع في قلب الأمة الإسلامية ويحتل أحد أهم مقدساتها، وهو المسجد الأقصى ومسرى الرسول. وقد أشار الله إلى ذلك في سورة الإسراء، حين تحدث عن دخول المؤمنين للمسجد كما دخلوه أول مرة وكان الأجدر بالعرب أن يتنبهوا لذلك قبل وقوع الكارثة في يونيو 1967، يوم احتلت “إسرائيل” القدس الشرقية، ومعها المسجد الأقصى وسائر مدن الضفة الغربية.
لكن هذا الاحتلال لن يدوم، فقد توعّد الله بني إسرائيل بوعد الآخرة والهلاك الكبير، وأن نهايتهم حتمية على أرض فلسطين، حيث إن تجمعهم فيها ليس إلا لتنفيذ وعد الله بهم: ﴿ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا ﴾.
وقد كشف الله عن فئة من المحسوبين على الإسلام هم في الحقيقة موالون لليهود، ويأتمرون بأمرهم، وهم المنافقون. ومن بين هؤلاء المنافقين: الأعراب، الذين وصفهم الله بأنهم “أشد كفرًا ونفاقًا” أي أشد ولاءً لليهود والنصارى. وقد تجلى نفاقهم في حجم الثروات والدعم الذي يقدمونه لأعداء الأمة الإسلامية وفي خيانتهم لمقدساتها، وعلى رأسها القدس الشريف التي باعوها لليهود، واتفقت كلمتهم على معاداة كل من يسعى لتحريرها من قبضتهم.
أما الخلاص، فسيكون على يد حزب الله، وحزب الله يعني أن لله سبحانه وتعالى مشروعًا عمليًا على الأرض، وله أنصار ومجاهدون قائمون عليه. وقد جعل الله من أهم مواصفاتهم: المعاداة لليهود والنصارى، والموالاة لأولياء الله، وأنهم “أعزة على الكافرين أذلة على المؤمنين”. وهذه الصفات تتجلى في أتباع الإمام علي عليه السلام الذين رفضوا التطبيع والخيانة، ووقفوا إلى جانب المقدسات الإسلامية وتحريرها، ونصروا كل المستضعفين في الأرض، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني المظلوم.
وتُمثّل إيران حجر الزاوية في هذا الحزب، ومعها كل الموالين من مختلف بلاد الإسلام، ومنها اليمن ولبنان وغيرهما من جبهات المقاومة. ولا بد لهذا الحزب أن ينتصر، فقد استكمل بفضل الله أسباب النصر، ولم يتبقَ له سوى المواجهة المباشرة، وها هي قد وقعت بمشيئة الله العزيز الحكيم.
وتنطبق على إيران كثيرٌ من صفات “حزب الله” المذكورة في كتاب الله، فهم أعزة على الكافرين، أذلة على المؤمنين، ومن الموالين لله ورسوله وآل بيته، وقد أعدّوا ما استطاعوا من قوة للمواجهة، والأهم من كل ذلك: أنهم لا يخشون في الله لومة لائم. وهل ثمة في هذا العالم من هو أكثر تعرضًا للوم والحرب النفسية والإعلامية من إيران ومحور المقاومة؟! لكن ذلك لم يُضعفهم، وها هم مستمرون في المواجهة رغم الفارق في التسليح والإمكانات العسكرية والإعلامية.
أما تحالف اليهود مع المنافقين، فإلى زوال بإذن الله وقد أخبر الله أن جميع الوعود التي يقطعها المنافقون لليهود بالنصرة والخروج معهم، إنما هي وعود كاذبة وأنهم سيخذلونهم في نهاية المطاف. وسيكون ذلك الخذلان من أسباب الهلاك النهائي لأهل الكتاب، ومن دلائل خسارتهم لمعركتهم مع الإسلام والمسلمين.
وفي الختام، فإن النصر حليف المؤمنين بفضل الله، وسيدخلون المسجد الأقصى فاتحين كما دخله النبي صلى الله عليه وآله في ليلة الإسراء. وسيتلقى اليهود ضربات موجعة تنهي فسادهم إلى الأبد، وتُدشّن مرحلة جديدة في تاريخ البشرية لا تشبه المرحلة الصهيونية في شيء. وسيكون الدين كلّه لله، وصدق الله العظيم إذ قال: ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ﴾.