المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    نتنياهو يرفع الراية البيضاء.. ترامب يضرب لحفظ ماء الوجه.. ايران تنتصر

    تحت وقع الضربات الصاروخية الإيرانية الموجعة للكيان الصهيوني، عشرات...

    عدوان ترامب على إيران: بين الاستعراض والهروب إلى الأمام

    المعطيات الأولية تشير إلى أن الهجوم الأميركي على إيران...

    من صنعاء إلى طهران.. أمة إسلامية واحدة في مواجهة العدو الصهيوني

    لم يكن بيان صنعاء الأخير على لسان الناطق العسكري يحيى سريع، والذي أعلن استعداد اليمن للدخول المباشر في أي مواجهة ضد إيران في حال تدخلت الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الصهيوني، مجرد تصريح دعائي أو مناورة إعلامية. بل هو تحوّل استراتيجي عميق في قواعد الاشتباك الإقليمي، يحمل في طياته رسالة مزدوجة إلى كل من واشنطن وتل أبيب مفادها: أي عدوان على إيران لن يبقى محصورًا داخل حدودها، فهناك محور متماسك من الشعوب المسلمة الحرة لن يسمح بسقوط طهران، آخر قلاع الاستقلال في العالم الإسلامي.

    فاليمن لم يعد مجرد دولة هامشية أو حديقة خلفية للنظام السعودي العميل، بل دولة مستقلة بذاتها وحاضرة بقوة في الصراع الإسلامي – الصهيوني إلى جانب الشعب الفلسطيني وضمن محور الجهاد المقاومة الذي يمثل روح الأمة في حماية مقدساتها، والحامي الأخير لما تبقى من كرامة المسلمين خاصة العرب، وقد أثبتت أحداث غزة في أكتوبر 2023، وما تلاها بأن صنعاء لم تعد مجرد متضامن صوتي، كما هو حال الأغلب من الدول العربية، بل قوة عسكرية فاعلة تملك قرار الإرباك وتعطيل خطوط الملاحة الدولية، كما أثبتت أنها قادرة على كسر هيبة واشنطن وتل أبيب في البحر الأحمر وباب المندب. وبالتالي، فإن دخول اليمن على خط الحرب دفاعًا عن إيران يفتح جبهة بحرية وجوية جديدة قد تكلّف الولايات المتحدة والكيان خسائر استراتيجية فادحة، وتجعل من “حرب الاستنزاف” واقعًا مستمرًا.

    ومهما قيل وسيقال بالنسبة لهذا الموقف المشرف، فإن إسناد إيران هو إسناد لكل الأمة في وجه هجمة شرسة لا تستثني أحداً، فإيران ليست مجرد دولة تواجه التهديدات الغربية، بل هي اليوم الرمز الأكبر للصمود في وجه مشاريع التطبيع والتبعية والارتهان. لذلك فإن الموقف اليمني لا يُقرأ من زاوية الاصطفاف السياسي فقط، بل من زاوية العقيدة والمبدأ. فالجمهورية الإسلامية، منذ انبثاقها عام 1979، تمثل النموذج الوحيد في العالم الإسلامي الذي يجمع بين الاستقلال السياسي والسيادة الاقتصادية والدعم العملي للقضية الفلسطينية.

    إن سقوط إيران، لا قدّر الله، لن يكون هزيمة عسكرية فقط، بل انهيارًا لمشروع المقاومة برمّته، وفتحًا لباب الهيمنة الصهيونية على كامل المنطقة، دون رادع، وعندها سيعرف العرب قيمة إيران، لكن بعد فوات الأوان، كما عرفوا من قبل قيمة الإمام علي عليه السلام وقد أصبح سيف معاوية على رقابهم، ولا عذر اليوم للجميع في حال فرَّطوا بحق أعظم دولة إسلامية عرفها التاريخ، ولم نر منها إلا كل خير، ويكفي وقوفها إلى جانب المستضعفين في فلسطين وسائر دول العالم، وفي أسوأ الأحوال لم تكن إيران سبباً في معاناة أحد، بخلاف جيرانها من العرب والأتراك، ممن أصبحوا أدوات يحركها الصهاينة لضرب الوحدة الإسلامية.

    يأتي البيان اليمني في توقيت بالغ الدلالة؛ إذ صدر في لحظة تتوعد فيها واشنطن بإرسال قاذفاتها إلى المنطقة لضرب إيران، وكأن دخولها في الحرب سيكون كفيلاً بحسم المعركة. لكن هذا التصور يتجاهل حقيقة كبرى: أن الولايات المتحدة نفسها تلقت ضربة موجعة قبل أشهر على يد القوات اليمنية التي تمثل فقط جزءًا من محور المقاومة، لا سيما أن تلك القدرات ليست سوى نموذج مصغر لما تملكه طهران من إمكانات وخيارات.

    فكيف سيكون المشهد حين تصطدم واشنطن بالعملاق الإيراني، الذي استعد لهذه المعركة منذ أيام الإمام الخميني رضوان الله عليه؟ إن دخول اليمن في هذه المواجهة ليس لمجرد خلط الأوراق ـ كما يروج بعض المراقبين ـ بل لتقديم إسناد فعلي واستراتيجي للجمهورية الإسلامية. وخيارات صنعاء في هذا الإطار كثيرة، يدركها الأمريكي جيدًا، كما يدركها حلفاؤه في المنطقة، الذين خبروا قدرات اليمن في ميادين الحرب والسياسة.

    يبدو أن واشنطن قد تناست أن إدارتها في عهد الديمقراطي جو بايدن، فشلت في إقناع حلفائها الخليجيين بالانضمام إلى تحالف “حارس الازدهار” الهادف لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر. ولم يكن هذا الرفض نابعًا من نزعة سلمية أو حرص على التهدئة، بل بدافع الخوف على مصالحهم من المارد اليمني، الذي شكّل عامل ردع حقيقي حال دون تورط معلن للسعودية والإمارات في معركة “طوفان الأقصى” ضد الشعب الفلسطيني.

    فالخيارات اليمنية لم تقتصر على الصواريخ والطائرات المسيّرة فحسب، بل تشمل كذلك إمكانية التدخل البري المؤلم، وهو الخيار الذي سبق وأن كبّد الرياض خسائر فادحة بالأرواح والعتاد، وأجبرها على تجنيد مئات الآلاف من المرتزقة لتأمين جيشها على الحدود، بعد أن عجزت عن حماية قواتها النظامية في الميدان.

    وعلينا أن نتذكر دائماً أن اليمني لا يتعصب للحدود الجغرافية الضيقة التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو، فولاؤه دائماً عقائدي نابع من روح الإيمان والحكمة التي وصفه بها رسول الله صلى الله عليه وآله، فموقفنا اليوم لا يستند إلى منطق الدولة فحسب، بل إلى روح الأمة. فقد جاء البيان مصوغًا بلغة قرآنية تستحضر التوجيه الإلهي، ليؤكد أن التضامن مع إيران ليس نابعًا من براغماتية سياسية، بل من مبدأ الولاء الإيماني، الذي يجعل من الدفاع عن المستضعفين واجبًا دينيًا لا خيارًا سياسيًا.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img