الرئيسية زوايا وآراء رسالة اليمن إلى واشنطن: لن تمرّوا!

رسالة اليمن إلى واشنطن: لن تمرّوا!

في لحظة فارقة من تاريخ المواجهة بين معسكر المقاومة وأعدائه، أعلنت القواتُ المسلحة اليمنية، يوم السبت، جاهزيتَها الكاملةَ لاستهداف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر، في حال أقدمت الولاياتُ المتحدة على شنّ عدوان عسكري داعم للاحتلال الصهيوني ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

هذا الإعلان الجريء الذي صدر على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، ليس مُجَـرّد تهديد عابر أَو تصريح إعلامي، بل هو تأكيدٌ استراتيجيٌّ على أن اليمن، الذي يخوضُ منذ سنوات معركةً شرسة ضد أدوات الهيمنة الإقليمية والدولية، بات رأس حربة المقاومة في المنطقة، وجزءًا أصيلًا من معادلة الردع الإقليمي. ولن يسمح بتحويل مياه البحر الأحمر إلى منصة عدوان على إيران أَو أي شعب شقيق أَو طرف من أطراف معسكر المقاومة. لقد قال شعب اليمن باختصار: أنا وليُّ الدم.

ولم تُفاجَأ القيادة الثورية اليمنية بالموقف الأمريكي، بل كانت تتوقعه وتُعدّ له منذ سنوات. فمنذ انطلاق العدوان على اليمن عام 2015، اتّضح أن واشنطن هي من تقود الحرب فعليًّا، وتوفّر الدعم اللوجستي والاستخباري والسياسي لتحالف العدوان؛ بهَدفِ إخضاع اليمن وكسر إرادته. ولذلك، فَــإنَّ إعلان أمريكا عن نواياها للعدوان على إيران لا يُمثّل تحوّلًا نوعيًّا في سياساتها، بل هو استمرار للنهج الاستعماري ذاته، الذي يقف في صفّ الكيان الصهيوني ويعادي كُـلّ من يرفض الخضوع للهيمنة الأمريكية والغربية.

القيادة الثورية في صنعاء، وعلى رأسها السيّد عبد الملك بدر الدين الحوثي، كانت منسجمةً مع شعبها منذ اليوم الأول، وواضحة في خطابها السياسي والعقائدي منذ سنوات: أمريكا هي رأسُ الأفعى، و”إسرائيل” هي أداتها في المنطقة، وأية مواجهة مع إحداهما تعني عمليًّا مواجهة مع الآخر. من هنا، فَــإنَّ الاستعداد اليمني للتصعيد ليس وليد اللحظة، بل جزء من رؤية استراتيجية يمنية تنظر إلى المعركة بأبعادها الشاملة، وترى في وحدة الجبهات قوة مضاعفة في وجه العدوّ المشترك.

قالت القواتُ المسلحة في بيانها: “أيُّ هجوم أمريكي مشترك مع (إسرائيل) ضد إيران يُعد عدوانًا مباشرًا على الأُمَّــة، ويهدف إلى فرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة ومصادرة حرية شعوبها واستقلالها”. هذه الكلمات تختصر الموقف اليمني المقاوم: لا حياد في معركة الكرامة والسيادة، ولا تفريط في المبادئ التي دفع؛ مِن أجلِها الشعب اليمني دماء الآلاف من الشهداء.

اليمن، الذي واجه تحالفًا عدوانيًّا قادته السعوديّةُ والإمارات بإشراف أمريكي مباشر، أثبت أنه ليس ساحةً لتصفية الحسابات، بل رقمٌ صعبٌ في معادلة الإقليم. واليوم، يعيد هذا الشعب الثائر التأكيد على أن معركته واحدة مع فلسطين، ومع إيران، ومع لبنان، وكل شعب حر يرفض الهيمنة الغربية والتطبيع والاحتلال.

جبهة المقاومة: تماسُكٌ رغم الضربات والتضحيات

وعلى الرغم من الضربات القوية والمتتالية التي تلقّتها جبهاتُ المقاومة في غزة ولبنان وسوريا والعراق، فَــإنَّ معسكرَ المقاومة لا يزالُ قويًّا ومتماسكًا، ولم يفقد بُوصلتَه ولا إرادته. بل يمكن القول إنّ هذه الضربات صقلته، ورفعت من درجة تنسيقه، ووحّدت أكثرَ من أي وقت مضى جبهاتِه المتعددة حول هدف واضح: كسر المشروع الصهيوني الأمريكي ومنع انتصاره في أية ساحة. لقد راهن العدوّ على تفكيك هذا المعسكر عبر الحصار والاغتيالات والحروب، لكنه اليوم يواجه جبهة واحدة، تتقدّم فيها المقاومة رغم الجراح، وتتطوّر قدراتها رغم الحصار، وتزدادُ شعبيتها رغم حملات التشويه والتجويع.

أمريكا والكيان الصهيوني في عُزلة وليس العكس

وإذا كان الإعلام الغربي يروّج أن إيران وحلفاءها في عزلة دولية، فَــإنَّ الحقيقة التي تتكشّف في الميدان تقول العكس تمامًا: الولايات المتحدة و”إسرائيل” هما من تقفان اليوم وحيدتَين في العراء، تتخبطان في مواجهة شعوب المنطقة وقواها الحيّة. فمعظمُ الشعوب العربية والإسلامية، إن لم يكن كلها، تقف اليوم – وإن بصمت – إلى جانب اليمن والمقاومة، وترى في المعركة الجارية امتدادًا لمعركتها؛ مِن أجلِ السيادة والتحرّر والكرامة. أما أنظمة التطبيع، فَــإنَّها بالكاد تستطيعُ إخفاءَ ارتباكها، وتخشى أن تنفجر الجماهير في وجهها في أية لحظة. وفي هذا المشهد، يتقدم اليمن بثقة، لا كجبهة معزولة، بل كصوت المنتصر، الذي إن قال فعل، يرسل صوتَه وناره ورسائله إلى البحر الأحمر وما بعده.

بهذا الموقف الحازم، تبعث صنعاء برسالةٍ ردعية مباشرة، ليس فقط إلى واشنطن وتل أبيب، بل إلى كُـلّ عواصم العدوان التي تسعى لأن تكون جزءًا من الحلف الصهيوني الأمريكي في حربه الجديدة على شعوب المنطقة. فاستهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر – إذَا ما اندلعت الحرب – لن يكون عملًا معزولًا، بل جزءٌ من ردٍّ جماعي موحّد في كُـلّ الساحات، من اليمن إلى العراق، ومن لبنان إلى غزة.

ولأن صنعاء تدرك أن ميزانَ القوى لا يُقاس فقط بعددِ الطائرات والصواريخ، بل بإرادَة الشعوب واستعدادها للتضحية؛ فهي تدخل هذه المرحلة وهي أكثر ثقة بقدرتها على الصمود، وبأن النصر لن يكون إلا حليفًا من يدافع عن كرامة الأُمَّــة واستقلالها.

لطالما حاولت الولاياتُ المتحدة تحويلَ البحر الأحمر إلى ممرّ آمن لأساطيلها وسفنها الحربية التي تزرع الدمار والفوضى في المنطقة. لكن بعد اليوم، لم يعد هذا البحر حديقة خلفية للبنتاغون. فالتجربة اليمنية في استهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في الفترة الماضية أثبتت أن الإرادَة الثورية قادرة على تغيير قواعد اللعبة، حتى في وجه أكبر القوى العالمية.

 

إرادَةُ شعب تعبُرُ النهر نحو الاستقلال الحقيقي

ليس صدفة أن الموقفَ اليمني الذي أُعلِنَ، السبت، جاء كتصريح عسكري، وتعبير صادق عن إرادَة شعب قرّر أن يعبُر نهر الدم نحو المستقبل، لا يخشى التضحيات، ولا يهاب التهديدات، واضعًا نصب عينيه هدفًا واحدًا: التحرّر، والنهضة، والاستقلال الحقيقي. إنه موقف شعب أصيل هضم دروس التاريخ، ورفض أن يكون هامشًا في معادلات الإقليم، أَو تابعًا في مشاريع الهيمنة.

وبهذا الموقف، يُجدّد اليمن الثائر – شعبًا وجيشًا وقيادة – قسَمَه بأن يكونَ حَيثُ ينبغي أن يكون: في طليعة الشعوب الحرة، وفي قلب المعركة، واقفًا على خط النار، ولو يتيمًا، وحيدًا. فهذا الموقف اليمني هو تحذير صريح لواشنطن: أي تورّط مباشر في الحرب ضد إيران لن يمرّ دون ردّ. وعلى الأساطيل الأمريكية أن تعيد حساباتِها جيِّدًا؛ لأَنَّ البحرَ الأحمرَ قد يتحوّل إلى مستنقع آخر. لقد قُضِيَ الأمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خالد بركات

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version