المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خلاصة القول.. إيران وحلفاؤها انتصروا وسقط العدو وعملاؤه

    إيران كانت، وما زالت، العنصر الأهم، إن لم يكن...

    أرقام مرعبة: مراكز المساعدات في غزة تتحوّل إلى مصائد موت جماعي

    كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن ما يُعرف...

    قصة اصطياد عميل “رفيع” كشف خفايا “فوردو”!

    ارتبط اكتشاف خفايا "فوردو" لأول مرة بقضية تجسس كبرى...

    ترامب يشبّه قصف المنشآت النووية الإيرانية بضرب هيروشيما وناغازاكي

    الرئيس الأميركي دونالد ترامب يزعم أن الضربات الأميركية على...

    من ينتظر سقوط إيران.. فليتهيأ للزمن الإسرائيلي

    استطاع نتنياهو، بذكاء وقسوة، أن يحوّل مسار الصراع، ويعيد رسم خريطة الشرق الأوسط: لا عبر طاولة مفاوضات، بل من خلال استثمار لحظة الضعف العربي.

    شيطنت واشنطن و “تل أبيب”، ليس فقط المشروع النووي الإيراني، إقليميًا، بل أيضًا تحاول إقناع العواصم العربية وخاصة الخليجية بأن “زمن ما بعد طهران” سيكون زمن أمن وازدهار، لا زمن الهيمنة والابتلاع.

    فهل تدرك العواصم العربية، إن تحقق الحلم الإسرائيلي في هزيمة إيران، أنه تنطبق عليها مقولة “ويلٌ لأمةٍ تقتل فرسانها كي تُرضي جلاديها”، وأنها تسير نحو فراغ استراتيجي تعبّئه “تل أبيب” من دون مقاومة في حال هزيمة إيران أو تراجعها؟ وهل يعقل أن تتحول العداوة مع إيران إلى غطاء للسكوت عن مخاطر الاختراق الأمني الإسرائيلي المتزايد؟ أم أن انتظار “مشروع عربي جامع” بقيادة السعودية قد طال حتى أصبح التردد هو المشروع ذاته؟

    حين تُهزم إيران أو تُستنزف حتى العجز، فإن ما يُفتح أمام المنطقة ليس بوابة الاستقرار، بل بوابة الدخول إلى “الزمن الإسرائيلي” بكل ما يعنيه من تحوّل جذري في قواعد القوة وموازين العلاقات.

    هذا الزمن يا عرب لا يعرف منطق التسويات، بل منطق الحسم بالقوة العسكرية؛ فحلّ القضايا الخلافية — سواء مع دول أو شعوب — لن يكون عبر طاولات الحوار، بل عبر فوهات المدافع والطائرات المقاتلة والمسيّرة. “إسرائيل” التي اختبرت بنجاح أسلوب “الإبادة الجماعية” و”التدمير الشامل” في غزة، تسعى لتعميمه كنموذج إقليمي.

    في هذا الزمن، تُكرَّس السيادة الإسرائيلية كمرجعية عسكرية–نووية وحيدة في الشرق الأوسط، بلا توازن ردع إقليمي. إيران كانت، رغم اعتبارها لدى البعض العربي خصماً وتهديداً، كانت تمثل عامل توازن استراتيجياً في المنطقة، ومع غيابها، تنفرد “إسرائيل” بامتلاك القوة العسكرية والقنابل النووية، المعترف بها ضمنيًّا، وتتيح لها فرض شروطها على كل من يفكّر بتحديها، ولو سياسيًا.

    ثمّة طموح يتجاوز الأمن إلى الاقتصاد؛ فـ “إسرائيل” لا تريد فقط تفوقًا عسكريًا، بل تسعى إلى جني ثمار هذه القوة عبر الهيمنة على المشاريع الاقتصادية الكبرى. مشاريع الطاقة؟ تمر عبر موافقتها. ممرات البحر؟ ترعاها استخباراتها. الاستثمارات الكبرى؟ تُصاغ بما لا يزعج جنرالاتها.

    ومع كل خطوة، تبتعد “إسرائيل” عن دور “شرطي أميركا في المنطقة”، لتقترب من دور أكثر تعقيدًا وخطورة: وكيلها السياسي والعسكري والاقتصادي. كأن “تل أبيب” تستعد لتكون “أميركا المصغّرة” إمبراطورة الشرق الأوسط الجديد؛ تدير الأمن، وتتحكم في الأسواق، وتفرض المعايير، وتحدّد الأصدقاء والأعداء، لا وفق مصلحة العرب، بل وفق مصلحة المشروع الإسرائيلي–الأميركي المشترك.

    في هذه اللحظة الدقيقة من التحولات الإقليمية، يقف العالم العربي لا كأمة، بل كأطلال مشروع.

    مصر، قلب العرب النابض سابقًا، باتت منشغلة بعدّ أنفاسها الاقتصادية، تُفاوض صندوق النقد أكثر مما تُفاوض على دورها الإقليمي.

    والخليج، غارق بين لهفة التحول الاقتصادي، ورغبة الأمن بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو تأجير الجغرافيا، وتفويض السيادة، والارتهان للهيمنة الناعمة الآتية من “تل أبيب”، أما تركيا، التي لوّحت يومًا بقيادة إسلامية موازية، تمشي اليوم على حبل رقيق بين الطموح للدخول تحت عباءة الأميركي بلا تحفظات والواقع الإسرائيلي الذي بات يسعى للهيمنة الشاملة.

    لقد خلق العرب — بصمتِهم، وترددهم، وتخلّيهم عن لغة المشروع — فراغًا استراتيجيًا لم تملأه شعوبهم، فملأته “إسرائيل”.

    لم يكن الانسحاب العربي من ميدان القرار مؤقتًا، بل أصبح قاعدة.

    وحين يتراجع الأصل، لا تتمدد الفراغات فقط، بل تتمدد النسخ المصنوعة خارج حدود التاريخ والجغرافيا.في الوقت الذي انشغل فيه كثير من العرب بوصم إيران ومحور المقاومة كخطرٍ مركزي يهدد الأمن القومي العربي، مدّوا جسور التنسيق، أو على الأقل الصمت المتواطئ، مع المشروع الأميركي–الإسرائيلي ذاته الذي يعمل على تفكيك المنطقة منذ عقود.

    ولم يكن هذا الاصطفاف عابرًا، بل اتخذ طابعًا مؤسساتيًا، تُرجم باتفاقات، وتحالفات أمنية، وتطبيع سياسي واقتصادي، جعل من “إسرائيل” شريكًا لا يُمس، ومن المقاومة خصمًا لا يُغتفر.

    واليوم، وفي اللحظة التي تقف فيها إيران تقاوم بكل ما تمثّله من كابح استراتيجي للهيمنة الصهيو-أميركية ،يبدو أن المنتصر الحقيقي ليس واشنطن، بل “تل أبيب”.

    وحين تنهار آخر القلاع التي وقفت، بصرف النظر عن موقع الاتفاق أو الاختلاف معها، في وجه المشروع الإسرائيلي، فإن الخاسر الأكبر لن يكون طهران، بل العرب أنفسهم.

    فالعرب، الذين لم يصوغوا مشروعًا، ولن يُسمح لهم بصياغة أي مشروع في ظل الزمن الإسرائيلي المقبل، سيجدون أنفسهم في الهامش مجددًا، لا حلفاء ولا خصوم، بل أدوات في معادلة صاغها العدو وهم غائبون.

    حتى ورقة التطبيع التي لطالما استُخدمت للمقايضة السياسية، فقدت معناها في زمن نتنياهو. هو لا يسعى اليوم إلى “اعتراف” عربي، بل إلى إدارة الشرق الأوسط كوكيل مطلق الصلاحيات. لا يريد أن يكون ملكًا على “إسرائيل”، بل عرّابًا للمنطقة، مهندسًا لتحالفاتها، وحاكمًا خفيًا لتوازناتها.

    لقد استطاع نتنياهو، بذكاء وقسوة، أن يحوّل مسار الصراع، ويعيد رسم خريطة الشرق الأوسط: لا عبر طاولة مفاوضات، بل من خلال استثمار لحظة الضعف العربي، وترهُّل الإقليمي، والتواطؤ الخفي حتى ولو بالصمت.

    سقوط إيران لن يكون نصرًا للعرب، بل نصرًا لـ “إسرائيل” على العرب.

    وآخر جدار يُهدم في وجه الهيمنة لا يُبنى من جديد.

    فلا تكونوا شهودًا على لحظة الانهيار… كونوا عائقًا أمامها،

    ليس دفاعًا عن طهران، بل دفاعًا عمّا تبقّى من وزنٍ عربي في ميزان المنطقة.

    فمن يصفّق لسقوط طهران اليوم، سيُصفّق غدًا لسقوط القاهرة أو الرياض أو الجزائر، أو حتى إسلام آباد.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    spot_imgspot_img