المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خلاصة القول.. إيران وحلفاؤها انتصروا وسقط العدو وعملاؤه

    إيران كانت، وما زالت، العنصر الأهم، إن لم يكن...

    أرقام مرعبة: مراكز المساعدات في غزة تتحوّل إلى مصائد موت جماعي

    كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن ما يُعرف...

    قصة اصطياد عميل “رفيع” كشف خفايا “فوردو”!

    ارتبط اكتشاف خفايا "فوردو" لأول مرة بقضية تجسس كبرى...

    ترامب يشبّه قصف المنشآت النووية الإيرانية بضرب هيروشيما وناغازاكي

    الرئيس الأميركي دونالد ترامب يزعم أن الضربات الأميركية على...

    الواتس آب… أداة لخدمة المشروع الصهيوني من نافذة “الخصوصية”

    العدوان على اليمن لا يقتصر على القصف والحصار والجوع بل هي أوسع من ذلك وأخطر، ويشمل التجسس والسيطرة المعلوماتية، وهي المرحلة التي تعتمد فيها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على أدوات أقل صخبًا من الطائرات والبوارج، لكنها أشد فتكًا من الناحية الاستخباراتية والاختراق السيادي، ولعل أبرز تلك الأدوات “تطبيقات التواصل الاجتماعي”، وعلى رأسها “واتساب” الذي بات نافذة مفتوحة للعدو على حياة المستخدمين، وأداة مركّبة يستخدمها العدو لاستهداف الأفراد والمجتمع على حد سواء، وقد رأينا كيف أضرت تلك التطبيقات بالوضع الأمني في محور المقاومة، وآخرها في إيران، حيث تسهم في توفير بيانات متكاملة للعدو عن الشخصيات الأبرز في مواجهة في البلاد.

    وهنا لا ينبغي الانخداع بشعارات التشفير والأمان، فالحديث عن الخصوصية في تطبيق تملكه شركة ميتا الأمريكية ليس إلا غطاءً شفافًا لواقع خطير، واقع تُدار فيه حرب إلكترونية خفية تُجمع فيها البيانات من كل مستخدم، وتُحلل فيها المحادثات والأنماط والعلاقات، ويُستغل فيها الجهل الرقمي وضعف الوعي المعلوماتي لدى كثير من المستخدمين، لا سيما في المجتمعات المستهدفة كاليمن.

    وقد أثبتت تقارير موثقة، واعترفت بها حتى وسائل الإعلام الغربية، أن أجهزة استخباراتية أمريكية وصهيونية استخدمت واتساب وغيره من التطبيقات لاختراق هواتف خصومها، عبر روابط خبيثة أو حتى مجرد مكالمة لم يُجب عليها، كما حدث مع برمجية “بيغاسوس” التابعة لشركة NSO الإسرائيلية، التي لم تكن فضيحتها إلا جزءًا صغيرًا من مشروع واسع لاختراق الخصوم عبر هواتفهم.

    ومن يعرف طبيعة العقل الأمني الأمريكي-الصهيوني يدرك أن اليمن لا يمكن أن يُستثنى من هذا المخطط، فالحرب على اليمن ليست عسكرية فقط بل استخبارية أيضًا، واختراق الجبهة الداخلية هدف رئيسي لكل من واشنطن وتل أبيب، ومن ورائهما أدوات إقليمية فاعلة. وتطبيق مثل واتساب لا يوفر لهم فقط رسائل ومحادثات ومعلومات، بل يوفر أنماطًا وسلوكيات ومواقع واتجاهات، بل ويمكّنهم من إدارة معارك داخلية ناعمة كتأجيج الفتن، وتسريب الإشاعات، وزرع الشك، وتشويه القيادات، وخلخلة الجبهة الإعلامية.

    والمضحك أن من يتحدث عن الأمن الإلكتروني من داخل التطبيق نفسه لا يخبر المستخدم أن النسخ الاحتياطية لمحادثاته كلها غير مشفرة على Google Drive وiCloud، ولا ينبهه أن بإمكان أي جهة استخباراتية ذات نفوذ أن تطلب هذه البيانات من الشركات المالكة بحجة “الأمن القومي” أو “مكافحة الإرهاب”.

    الأخطر من ذلك أن استخدام واتساب لم يعد مقتصرًا على الرصد وجمع المعلومات، بل تعداه إلى التوجيه، حيث يتم اختراق بعض الحسابات لإرسال رسائل موجهة، أو التأثير على بعض الناشطين عبر طرق “الهندسة الاجتماعية”، أو إثارة البلبلة في توقيتات حساسة من خلال نشر أخبار كاذبة ذات مصداقية ظاهرية، لأنها تصدر من أشخاص موثوقين لدى جمهورهم، في حين أن أصحاب هذه الحسابات قد لا يكونون على علم بما يُنشر باسمهم، أو قد يكونون تعرضوا للاستدراج وسُحب منهم محتوى خاص يُستخدم لاحقًا لابتزازهم أو ترويضهم.

    وقد يظن البعض أن الحل الأسهل أمام هذا الخطر المتفاقم هو الحظر الرسمي المباشر لتلك التطبيقات الأجنبية، وهذا الطرح من حيث المبدأ يُفترض أن يكون في أي وطن يخوض حربًا مفتوحة مع دول تملك هذه المنصات، خاصة وقد ثبت بالأدلة أنها تُستخدم عسكريًا وأمنيًا ضد المواطنين، لكن الحظر لا يمكن أن يكون فعّالًا ما لم يُسبق أو يُرافق ببناء بدائل وطنية قادرة على تلبية الحاجة المجتمعية والتقنية.

    فالحظر دون بدائل سيؤدي إلى نتائج عكسية، أهمها تعزيز السوق السوداء الرقمية، واستخدام برامج كسر الحجب التي غالبًا ما تكون أشد خطورة من التطبيقات الأصلية، كما أن فشل الحظر الجزئي في دول أخرى يعلّمنا أن الناس لا يتوقفون عن استخدام المنصة إلا إذا وجدوا ما يُغنيهم عنها.

    مع ذلك، فإن تقنين الوصول وفرض قيود على استخدام تلك التطبيقات في المجالات الحساسة، خاصة الأمنية والعسكرية والإعلامية السيادية، هو أمر لا بد منه، بل يجب أن يكون جزءًا من منظومة تشريعية متكاملة تحمي اليمن من هذا الانكشاف المعلوماتي الخطير. أما أن يُترك الباب مفتوحًا للعدو ليجمع بياناتنا كل دقيقة بذريعة الحرية التقنية والانفتاح، فذلك هو الاستسلام بعينه، وإن كان مغطّىً بشعارات براقة يروج لها المرتزقة لتمرير المشاريع العدوانية في اليمن.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img