الرئيسية زوايا وآراء ترامب والناتو ومن استحوا ماتوا

ترامب والناتو ومن استحوا ماتوا

انعقدت في المدينة الهولندية لاهاي، أمس، قمة حلف شمال الأطلسي الناتو، وكانت أهم مخرجات هذه القمة اتّفاق الدول الأعضاء في الحلف على زيادة نسبة الإنفاق على التسلح إلى 5 % من الناتج القومي لكل دولة، وهذه الزيادة ما كان لها أن ترتفع إلى هذا المستوى لولا “صميل” ترامب، الذي تمكّن من خلال إصراره وبكل بجاحة على انتزاع موافقة الدول الأُورُوبية الأعضاء في الحلف على زيادة إنفاقها على التسلح، لتصل قيمة هذه النسبة إلى ترليون دولار سنويًّا، سيذهب كُـلّ هذا المبلغ أَو جله إلى شركات صناعة السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية.

وباستثناء إسبانيا فقد وافقت كُـلّ الدول الأعضاء في الحلف على نسبة الزيادة في الإنفاق على التسلح، ليس حبًا منها أَو حرصًا منها على تشغيل عجلة الماكينة الصناعية الأمريكية، ولكن إرضاء لغرور وبجاحة وعنجهية ترامب، الذي أصر بشكل واضح وصريح على ضرورة انخراط إسبانيا في مشروعه والوفاء بالتزاماتها المالية بزيادة الإنفاق على التسلح إلى نسبة 5 % بل هو مصر على دفع إسبانيا غرامة تأخير ومماطلة تضاف إلى النسبة التي وافقت عليها جميع الدول الأعضاء، وأنه سيتولى شخصيًّا متابعة السلطات الإسبانية حتى تذعن للانخراط في مشروعه الذي أذعنت له مكرهة جميع الدول الأعضاء في حلف الناتو.

وقد سبق الإذعان الغربي لمشروع ترامب إذعان عربي، ليس بنسبة محدّدة كما هو حال الدول الأعضاء في حلف الناتو، بل كما يقال عندنا (جزافًا غير ملبون) عند تحرير عقد أَو بصيرة أرض هبة لقريب أَو محتاج أَو قربة لله تعالى، مقبرة أَو لبناء مسجد أَو مدرسة أَو أي وجه من أوجه فعل الخير! لكن الأمر يختلف تمامًا فهبة العرب من التريليونات الجزافية والطائرة العملاقة لحملها، ليست مخصصة لله تعالى، في وجه من أوجه فعل الخير، بل إن كُـلّ تلك التريليونات الجزافية وطائرة حملها مخصصة لترامب يستخدمها بعلم مانحيها في أوجه الشر والإجرام المحضة!

وبكل تأكيد فليس هناك من شر وإجرام أشد من استخدام ترامب لأموال العرب في إبادة إخوانهم في قطاع غزة؛ فمعلوم أن جزءًا كَبيرًا من تلك التريليونات سيذهب لشركات تصنيع الطائرات والمعدات العسكرية الحديثة والصواريخ والقنابل التي يباد بها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومع علم أعراب الخليج قطعًا بالمسار الذي تذهب إليه أموال شعوبهم وأموال الأُمَّــة بأنه مسار شر، وأنه محرم عليهم شرعًا إنفاق المال في ذلك المسار، لكنهم أذعنوا لمروضهم ترامب بسهولة ودون عناء يذكر، مقارنة بمعاناته مع الدول الغربية الأعضاء في حلف الناتو عُمُـومًا ومع إسبانيا خصوصًا.

ورغم إدراك أعراب الخليج قطعًا أنه يقع على عاتقهم دين وواجب نصرة وإغاثة إخوانهم في قطاع غزة لكنهم مع ذلك لم يفعلوا، وكان بإمْكَانهم على أقل تقدير أن يفاوضوا ترامب مقابل تلك التريليونات على تخصيص قطعة أرض في الولايات المتحدة أَو حتى في كوكب المريخ ونقل الصهاينة إليها ليرتاح العالم من شرهم وإجرامهم، فكل تلك التريليونات وطائرة نقلها العملاقة تكفي وزيادة لشراء أرض للصهاينة بعيدًا عن الجغرافيا العربية، وتغطي تلك التريليونات كذلك تكاليف نقلهم وتعويضهم، لكن أنى لبقرة حلوب أن تقول لحالبها: كفى؟!

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى دور تركيا هذا البلد الكبير الموصوف بأنه إسلامي، لكنه يقيم علاقات متعددة الأوجه دبلوماسية واقتصادية وعسكرية مع الكيان الصهيوني المقترف المباشر لجريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولم يتخذ النظام القائم على الحكم في هذا البلد أي موقف عملي مساند لمظلومية أبناء الشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك كُـلّ مواقف هذا النظام العملية مساندة وداعمة للكيان الصهيوني المجرم؛ فلم تتوقف سفن الإمدَاد التركية إلى موانئ الأراضي المحتلّة منذ بداية أول فعل من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، حاملة على متنها كُـلّ ما لذ وطاب من الفواكه والخضروات التي تجود بإنتاجها الأراضي التركية، لتغطِّيَ احتياجات قطعان الصهاينة الغاصبين للأراضي الفلسطينية، وغير ذلك من المواد الخام الأولية اللازمة لاستمرار دوران عجلة الصناعة في مصانع شركات الكيان الصهيوني المجرم.

ورغم أن للنظام القائم على الحكم في تركيا بعض المواقف الكلامية المندّدة بجرائم الكيان الصهيوني أَو الموصفة لفظاعة وبشاعة أفعاله، غير أن المواقف العملية للنظام التركي مساندة تمامًا للكيان الصهيوني، بل إنها ترقى إلى مستوى الشراكة في جريمة الإبادة الجماعية، وفقًا لأحكام اتّفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948م، ولو أن النظام الحاكم في تركيا جاد في مواقفه الكلامية لعمل وبشكل فوري على قطع علاقاته بالكيان الصهيوني، وسحب سفير تركيا من (تل أبيب) وطرد السفير الصهيوني من العاصمة التركية، لكن النظام الحاكم في تركيا اكتفى بتأييد ومساندة الفلسطينيين بالقول، وتأييد وإسناد الصهاينة بالفعل!

ولم يقف دور النظام التركي عند حَــدّ إسناد الكيان الصهيوني والشراكة معه في جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل إن خطر هذا النظام بوصفه عضوًا في حلف الناتو سيشمل أي بلد عربي أَو إسلامي يكون طرفًا في نزاع مسلح مع حلف الناتو الغربي الاستعماري الإجرامي، ولن يكون مستغربًا أن يطلق النظام التركي مواقف مؤيدة للبلد العربي أَو الإسلامي الطرف في النزاع المسلح مع حلف الناتو أَو أي دولة عضو في هذا الحلف؛ باعتبَار أن ميثاق الحلف يوجب على الدول الأعضاء الانخراط في مشاريع وسياسات الحلف الاستعمارية.

ولو افترضنا جدلًا أن النظام التركي لم يكن عمليًّا مساندًا ومشاركًا للكيان الصهيوني في جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكان هذا النظام مدركًا لشراكة القوى الاستعمارية الغربية في جريمة الإبادة بصورها المتعددة، لتوجب على هذا النظام على أقل الانسحاب من حلف الناتو، ومن حَيثُ الأصل فالواجب ألا يكون النظام التركي الموصوف بأنه نظام إسلامي أن يكون عضوًا في حلف الناتو الإجرامي الاستعماري؛ باعتبَار أن تلك العضوية تمثِّلُ مولاةً لمن حرم الله سبحانه وتعالى على المسلمين مولاتهم! فأين الحياء من الله يا نظامَ تركيا؟ أم أن من استحوا ماتوا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د/ عبدالرحمن المختار

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version