المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الدفاعات الجوية والعمليات البحرية ترسم ملامح الرد اليمني نصرة لغزة وردعا للعدو

    بموقف واضح وخطى تصعيدية مدروسة، تواصل صنعاء ترسيخ معادلة...

    حماس تكشف عن “أجهزة تجسس” إسرائيلية متطورة زرعت داخل قطاع غزة

    كشف مسؤول أمني في حركة حماس، في تصريحات خاصة...

    بالصور.. فيضانات تكساس المدمرة تكشف فشل أمريكا المناخي

    ارتفع عدد ضحايا الفيضانات المفاجئة التي اجتاحت ولاية تكساس...

    خطورة الاحتلال الغربي على الوجود العربي

    تخضع مساحة كبيرةٌ من جغرافيا الشعوب العربية لاحتلال عسكري غير معلَن، حَيثُ تتواجد عشرات القواعد العسكرية الأمريكية بحرية وبرية وجوية، في نطاقات متعددة من هذه الجغرافيا، تحديدًا تلك التي تزخر بثروات نفطية وغازية ومعدنية.

    ولأن هذا الاحتلال العسكري المباشر للجغرافيا العربية يأتي بعناوينَ زائفة ومخادعة، فـإنَّه لا يتعرض لأية مقاومة شعبيّة، خُصُوصًا مع ترويج الأنظمة الحاكمة في الشعوب العربية لعناوين التعاون والتدريب ومكافحة الإرهاب والتحالف العسكري، وغيرها من العناوين المضلِّلة، التي خدَّرت بها هذه الأنظمةُ الشعوبَ العربية.

    وبالتزامن مع ذلك وخلال العقود الماضية جرى الترويج وبشكل زائف ومخادع للقيم الغربية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتم إيهام الشعوب العربية التي لا تتواجد على أراضيها قواعدُ عسكرية للقوى الغربية، بأهميّة تبنِّي النظام الديمقراطي الغربي بوصفه يمثل تجسيدًا لحكم الشعب؛ فوجود الحكومة في النظام الديمقراطي، وَفْــقًا للترويج الغربي غايته خدمة الشعب، ومن ثَم لا بد أن تأتي هذه الحكومة بإرادَة الشعب وباختياره، ليتمكّن من خلالها من إدارة شؤونه ورعاية مصالحه.

    وهذه الفكرة لا تجد تجسيدًا لها، ولا تطبيقًا عمليًّا لمقتضاها، وَفْــقًا للترويج الغربي إلا في ظل النظام الديمقراطي، ولذلك فالعقل والمنطق، وَفْــقًا لهذا الترويج يحتمان على الشعوب العربية تبني النظام الديمقراطي، المطبَّق منذ عقود في دول الغرب المتحضِّر! والذي تحقّقت في ظله قيم الحرية والعدالة لجميع الأفرَاد، وبهذا الترويج تظهر الأنظمة الغربية بمظهر الحريص على نقل المدنية والحضارة للشعوب العربية التي تعاني أشد المعاناة من القمع والاضطهاد!

    وبالفعل فقد انطلت الخدعة على الشعوب العربية وظلت هذه الشعوب تتغنى لعقود من الزمن بالمبادئ الديمقراطية، رغم أن النسخة التي صدَّرها الغرب للعرب مزيَّفة وغير تلك المطبَّقة في الدول الغربية، وباسم الديمقراطية استمر الحكامُ في سدة الحكم في أغلب الدول العربية، التي تبنَّت شعوبُها الديمقراطيةَ الغربية الزائفة لعقود من الزمن، مع وجود معارضة شعبيّة ترغب في شغل مناصب السلطة العامة، لكن المعارضة ظلت لعقودٍ في ساحتها، وظل الحكام في أماكنهم متربِّعين على كراسي الحكم.

    وكانت القوى الغربية هي المتحكمة في بقاء المعارضة في ساحتها وبقاء الحكام على كراسي الحكم، وَإذَا ما كان هناك من تغيير في أي بلد عربي، فلا بد أن تسبقه موافقة ومباركة الدول الغربية على إحلال عميل في سدة الحكم بدلًا عن العميل السابق، ورغم أن الترويج الغربي نظريًّا للديمقراطية تبلور حولَ حق الفرد في إدارة شؤونه الخَاصَّة بنفسه بحرية وبإرادته المنفردة، وأن المنطق -وَفْــقًا لذلك الترويج النظري- يقتضي أن يدير جميع الأفرَاد شؤونهم العامة في مختلف المجالات بأنفسهم، وأن النظام الديمقراطي وحده الذي يتيح للأفرَاد مجتمعين إدارة شؤونهم العامة، لكن عمليًّا لم تجد الشعوب العربية تطبيقًا حقيقيًّا واقعيًّا للترويج النظري الغربي للديمقراطية، حَيثُ كانت الدورات الانتخابية الشكلية تعيد بشكل دوري ومتتالٍ الحكام القابعين على عرش السلطة إلى كراسيهم!

    ومع أن الترويج والتعليم النظري في الدول العربية التي تبنت أنظمة الحكم فيها المبادئ الديمقراطية الغربية، يقوم أَسَاس حرية الأفرَاد في اختيار الحكام، وَفْــقًا لمبادئ هذا النظام لدورات انتخابية محدّدة، ومقتضى ذلك أن هذا الاختيار يؤدي إلى تغيير الحكام في فترات محدّدة، وبطريقة سلمية، كما أنه في ظل النظام الديمقراطي، وَفْــقًا للترويج الغربي، يجري تغيير وتعديل القوانين، بما يتناسب مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بإجراءات وطرق سلمية.

    ولم يتوقف الترويج الغربي للمبادئ الديمقراطية عند هذا الحد، بل تجاوز الوَهْمَ الديمقراطي حدود الدول التي تبنت هذا النظام، فإذا كانت الديمقراطية تمثل وصفة سحرية سلمية لحل كُـلّ المشاكل المستعصية في الدول التي تتبنى أنظمة الحكم فيها هذه المبادئ، فـإنَّها أَيْـضًا تمثل وسيلة سحرية سلمية لحل النزاعات والخلافات مع الدول الأُخرى، بما يكفل تحقيق التعاون والتكامل في مجال العلاقات الدولية.

    ومع أن الواقع يؤكّـد عكس الترويج النظري الغربي للمبادئ الديمقراطية، إلا أن الشعوب العربية في الدول التي تبنت المبادئ الديمقراطية النظرية، ابتلعت الوصفة السحرية الغربية وصدَّقت ما تم الترويج له عن مزايا الديمقراطية، رغم أنها شاهدت على أرض الواقع كيف حلت الدول الغربية مشاكلها المصطنعة مع العراق؟ وكيف استخدمت القوة العسكرية المسلحة لتدمير هذا البلد العربي لمُجَـرّد أكاذيبَ حاكتها أجهزة المخابرات في أنظمة الغرب المتمدن! وكيف تعامل الغرب الديمقراطي المتمدن مع ثورة الشعب اليمني؟ ونشاهد اليوم ذات الأكاذيب تتكرّر وذات الإجرام الغربي يتكرّر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

    وهذا الأُسلُـوب العنيف تتبعه واقعًا القوى الاستعمارية الغربية مع الدول التي لا تتقبل شعوبها الوصفة السحرية التدميرية الديمقراطية الغربية، التي يتم تفعيلها في الوقت المناسب لأحداث عملية تدمير ذاتي في الدول التي تقوم أنظمة الحكم فيها شكليًّا على المبادئ الديمقراطية الغربية، متى ما رأت القوى الغربية أن الأوضاع يمكن أن تخرج عن سيطرتها في هذه الدول، أما تلك التي لا تتقبلها لأي سبب كان فـإنَّ المخابرات الغربية جاهزة لتحيك الأكاذيب التي تمهِّد للعدوان المسلح، الذي ينتهي غالبًا بالتدمير الكلي لمقومات الدولة وإسقاط النظام الحاكم فيها، كما فعلت القوى الاستعمارية الغربية بدولة العراق وليبيا ومؤخّرًا سوريا، وكما توهمت فعل ذلك بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، حين طالب ترامب الحكومة في إيران بالاستسلام غير المشروط! وحين طالب نتن ياهو الشعب الإيراني بالتعاون معه لتحقيق الأهداف المشتركة، بحيث ينال الشعب الإيراني حريته ويحقّق نتن ياهو أهداف جريمته، كما توهم!

    ولا تكلف الشعوب العربية نفسها مُجَـرّد التساؤل حول تناقض أنظمة الغرب، وهي تروج للمبادئ الديمقراطية وتعدد مزاياها وتشجع على تبنيها، بوصفها الوسيلةَ الحصريةَ لضمان حرية الأفرَاد في الاختيار، والقوى الغربية في ذات الوقت تحتضن أنظمة وراثية ديكتاتورية في المنطقة العربية ذاتها لا قيمة فيها للشعوب ولا لحريات الأفرَاد وكرامتهم، ومع ذلك تتقبل الشعوب العربية هذا التناقض الصارخ المنادي بمبادئ الديمقراطية والحرية الفردية من جهة، والحامي للأنظمة الديكتاتورية بتواجد عشرات القواعد العسكرية من جهة أُخرى! وهذه الحماية هي العنوان المعلن من جانب المستعمر الأمريكي الغربي، لكن الحقيقة المُرة أن التواجد العسكري الأمريكي في البلدان العربية الخليجية يمثل احتلالًا مباشرًا للأرض، وانتهاكًا لحرية وكرامة وسيادة الشعوب، ونهبًا لثرواتها الطبيعية.

    والأخطر من كُـلّ ذلك هو القادم الذي سيحل بهذه الشعوب، التي تتجاهل التاريخ الدموي للمستعمر الغربي، فلن يكون أمرًا مستبعَدًا أبدًا أن تتعرض الشعوب العربية الخليجية وغيرها من الشعوب التي تحتل أراضيها القوات الأمريكية، لذات الإبادة الجماعية التي تعرض لها الهنود الحمر السكان الأصليون لأمريكا الشمالية من جانب الغزاة المحتلّين الأُورُوبيين الغربيين، فهم ذاتهم الذين اقترفوا جريمة الإبادة بحق السكان الأصليين في أمريكا، وهم ذاتهم الذين يحتلون الجغرافيا العربية اليوم ومصالحهم وأطماعهم ذاتها لم تتغير، وما تغير وتطور فقط هو وسائل وأساليب إجرامهم ووحشيتهم.

    وعندما يتغير المزاج الغربي تجاه سكان الشعوب العربية الخليجية والشعوب العربية الأُخرى، التي تحتلها القوات الأمريكية، فلن تتأخر هذه القوات أبدًا في الفتك بتلك الشعوب، وربما سيتم ذلك بشكل صامت ودون إزعاج؛ فالمجرم الأمريكي الغربي لن يعدمَ الوسيلة التي تحقّق له نزواته الإجرامية، ففي مرحلة ما لن يقبل بأحد يزاحمه على مصالحه، التي يعلن دائمًا أن تواجده؛ مِن أجلِ حمايتها، وهذه المصالح هي ثروات الشعوب العربية.

    والمؤسف أن الشعوب العربية تائهة وغير مدركة للمخاطر المحدقة بها، فقَطر تلك المساحة الصغيرة توجد بها أكبر قاعدة أمريكية في العالم خارج حدود أمريكا، وبها مقرُّ القيادة الوسطى للقوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وبها مخازن عملاقة لوسائل الدمار الأمريكية، وتوجد في قطر خمسمِئة شركة فرنسية! ولا يتسع المقام لتعداد القواعد العسكرية في بقية الدول الخليجية والعراق والأردن وسوريا، وكذلك الشركات الأجنبية العاملة فيها، فالحذر الحذر؛ فالأمر في غاية الخطورة، والإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر ليست بعيدة ولا مستبعَدة!

    قد يعتقدُ البعضُ أن مثلَ هذا الطرح مبالَغٌ فيه وغير واقعي، لكن واقعيته ستتجسَّدُ عند استحضار القارئ لجرائم القوى الاستعمارية الغربية خلال القرنين الماضيَّين تلك الجرائم التي حصدت ملايينَ البشر من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبِها ومن شرقها إلى غربها؛ فالغربُ تحكُمُه رأسماليةٌ بشعة متوحشة، لا تقيم وزنًا إلَّا لمصالحها، التي لا وجودَ معها مطلقًا لا لأخلاق لا لمبادئ ولا لقيم إنسانية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    د.عبدالرحمن المختار

    spot_imgspot_img