الرئيسية زوايا وآراء ثورة 26 سبتمبر أنقذت اليمن من مؤامرة الإخوان

ثورة 26 سبتمبر أنقذت اليمن من مؤامرة الإخوان

ما لا يذكره الإعلام ولا حتى التاريخ عن ثورة 26 سبتمبر، أنها ثورة لا دينية؛ فهي امتداد لثورة 23 يوليو 1952 في مصر بقيادة الضباط الأحرار، والتي أُعيد إنتاجها في عددٍ من الدول العربية كالعراق (ثورة 14 تموز 1958) بقيادة عبد الكريم قاسم ولاحقًا ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا عام 1969 بقيادة القذافي وكلها قامت ضد أنظمة ملكية وأحلت مكانها جمهوريات قومية تدعو إلى الوحدة العربية بعيدًا عن الشعارات الدينية التي عُرفت حينها بـ”الرجعية”.

ومن الطبيعي أن تصطدم ثورة 26 سبتمبر بمشروع الإخوان في اليمن لسببين؛ أولهما أن الإخوان يرفعون شعار الدين، والثاني هو ارتباط الجماعة بالإنجليز الذين أرادوا من خلالهم (الإخوان) إضفاء شرعية دينية على وجودهم في العالم العربي، وابتزاز اليساريين على منهاج “فرّق تسد” التي أتقنت لندن تفعيلها في كل بقاع العالم وحيثما حلّت راية الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

وسبق للإخوان بدعمٍ إنجليزي أن نفذوا مؤامرة لقلب نظام الحكم في اليمن في فبراير 1948؛ فقد حرصت الجماعة على إنشاء وطن لها بديلاً عن مصر في حال فشلت هناك. وكان للإنجليز الدور الكبير في التنسيق بين القُطرين، فيما تكفل الملك عبد العزيز آل سعود بالدعم المالي للمؤامرة ونقل قيادات الجماعة من مختلف الأقطار إلى دولة الإمام يحيى حميد الدين الذي استقبلهم كلاجئين فرّوا من القمع والاحتلال في بلادهم. ومن هنا وبأسلوب الغدر، كانت ثورة ما يُسمى بـ”الدستور”، إلا أن المؤامرة فشلت على يد الإمام أحمد حميد الدين، الذي قضى على الحلم الأول للجماعة، وتلاشت المحاولة الأولى للإخوان في تأسيس دولتهم تحت راية المملكة المتحدة.

إلا أن بريطانيا لم تيئس، وأعادت تنظيم صفوف الجماعة في عدن المحتلة بقيادة محمد محمود الزبيري، حيث أسّس الإنجليز حزب الأحرار، ولاحقًا تحوّل اسمه إلى «الجمعية اليمانية الكبرى»، وأُصدر باسمهم صحيفة «صوت اليمن»، التي فوضت في عددها الأول من وصفته بـ”الإمام حسن البنّا” بأن يتحدث عنها في كل شأنٍ من الشؤون.

ومع انطلاقة ثورة 26 سبتمبر 1962، رأى الإخوان ومعهم الإنجليز أن الفرصة مواتية للمشروع الإخواني تحت راية التعددية السياسية، إلا أن المشروع اصطدم بالشعارات القومية التي جاءت بها الثورة الوليدة؛ فكان أول خلافهم معها أنها اتجهت إلى الجنوب لتحريره من الإنجليز، رعاة الإخوان. ومن هنا بدأ الانفصام والشقاق والتحريض حتى على الثورة. وقرر الزبيري حينها أن يبدأ مسيرة جديدة للإخوان من شمال الشمال، حيث سعى للتحالف مع الملكيين ضد النظام الجديد.

ومن هناك أعلن تأسيس “حزب الله” الذي سعى لتوحيد الإخوان مع أبناء المذهب الزيدي ضد القومية العربية، وبدعمٍ إنجليزي – سعودي معلن.

يقول الإخواني عبد الملك الطيب، رفيق الزبيري وصاحب كتاب «التاريخ يتكلم» الذي أرخ لتلك الفترة من تاريخ الجماعة: (خرج الزبيري وبصحبته بعض رفاقه: الشيخ عبد المجيد الزنداني (الذي استدعاه الزبيري من القاهرة، وقُتل الأخير وهو على مقربة منه)، والأستاذ محمد الفسيل، داعيًا إلى إنشاء حزب الله، هادفًا إلى إيجاد صحوة تصحّح المفاهيم الخاطئة التي أوجدتها الملكية والثورة على السواء؛ فقد كان يقول: «إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل، يرضون بالجوع حتى الموت، وبالسجن حتى نهاية العمر، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها، ويتقدّمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت»).

وخلال تواجده في بَرْط، شمال الشمال، محرضًا على النظام الجمهوري، لقي الزبيري حتفه وسقط معه مشروع الإخوان التآمري إلى الأبد. وكان من نتائج اغتيال الزبيري، ليس فقط انتصار ثورة 26 سبتمبر بمدّها العروبي، بل انتصار ثورة 14 أكتوبر التي حررت الجنوب من ربقة الاحتلال الإنجليزي الجاثم منذ 1839. وما كان للجنوب أن يتحرر لو بقي للإخوان موطئ قدم في الشمال فقد كانت القاعدة التي انطلق منها أبناء الوطن لتحرير أرضهم من الاستعمار.

ولمن أراد أن يطّلع أكثر على مؤامرة الإخوان والزبيري على ثورة 26 سبتمبر، أنصحه بالاطلاع على كتاب (تاريخ اليمن المعاصر 1917–1982)، وهو من تأليف مجموعة من الكُتّاب الروس، ويُعد من أفضل المراجع التاريخية المعاصرة في تاريخ اليمن، ولا مجال لأن يُتّهم مؤلفوه بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك، فجميعهم أجانب ولا ينتمون لأيٍّ من الجماعات السياسية المتناحرة في اليمن.

وبذلك يمكن فهم ثورة 26 سبتمبر بوصفها محطة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث، لا كما تقدمه جماعة الإخوان ممثلة بحزب الإصلاح، فقد نجحت في إبعاد البلاد من محاولات توظيف الدين في صراعات النفوذ والاستعمار غير المباشر. فرغم تعقيدات المرحلة وتعدد الأطراف، فإن مسار الثورة كشف عن تصادم مع مشروع الزبيري ومن معه، والذي كان مرتبط بمصالح خارجية حاولت استثمار الدين لتحقيق مكاسب سياسية.
وما زالت تلك الحقبة تحمل الكثير من الدروس لمن أراد أن يقرأ التاريخ بعيدًا عن الروايات الرسمية أو الخطابات الدعائية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد محسن الجوهري

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version