المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    ورد الآن.. “بنك عدن” يفقد صوابه بعد إصدار هذا القرار الصادم (التفاصيل)

    أصدر البنك المركزي في عدن قرارا جديداً يستهدف حقوق...

    غزة تتضور جوعاً.. قصة أقسى حصار وتجويع في التأريخ الحديث

    يقضم الجوع في غزة الأجساد المتعبة، يقربها إلى الموت...

    غزة تتضور جوعاً.. قصة أقسى حصار وتجويع في التأريخ الحديث

    يقضم الجوع في غزة الأجساد المتعبة، يقربها إلى الموت زلفى، وللموت في غزة ألف وجه، لكن سحناتها الأعتى تأتي اليوم عبر صرير أمعاء فارغة، سرعان ما يمنعها الإعياء من الصرير، فيخر صاحبها معلنا انتهاء حياة قاسية بموت أقسى.

    لا شيء على الأرض الآن غير الجوع، ولا نازل من السماء غير اللهب، فالتقى الألم على أمر قد قدر، حيث شعب يباد بناري خوف ومسغبة، ورغم اشتداد المجاعة، وكثافة التحذيرات التي رفعتها المنظمات المحلية والدولية، وخصوصا اليونيسيف التي اعتبرت أن قرابة نصف مليون من سكان غزة وصلوا إلى المرحلة الخامسة على سلم المجاعة الكارثية، فما زالت موائد العالم غارقة في البشم، وما زال العالم يولي كارثة غزة الصماء من أذنيه.

    الجوع.. عدالة الموت القذر

    لم تفلت سهام الجوع أي روح في غزة، وحتى الذين تدثروا بالصبر، وكانوا صوت غزة، وبسمتها في بحر من اللهب والدموع، بدأت قواهم تخور، وبدأ الجوع ينحت أجسادهم الضعيفة، ثم خرجوا عن صمت الصبر النبيل إلى التصريح الدامي بأنهم “يترنحون الآن من الجوع” كما جأر بذلك مراسل الجزيرة أنس الشريف الذي كان صوت غزة طيلة عامين، عصب فيهما القلب والبطن على ما لا يطاق من ألم الفقد، وعسف الجوع الفتاك.

    وتزداد صورة المأساة -إذا كان الجوع وهو الشعور الأقذر في العالم- يقتات من شعب ينتمي إلى أمة تضم مليارين من المسلمين، ويجاور قرابة 400 مليون إنسان يشتركون معه الدين واللسان والهوية، وينفرد عنهم بالمقاومة واللهب والجوع.

    ليس أنس غير الصوت العالي في غزة، ودون ذلك مئات الآلاف ممن يقتات الجوع من أجسادهم وأرواحهم، ولا يجدون ما يسدون به الرمق.

    وإذا تقارب أهل غزة في مستويات صبرهم وصمودهم، وجاؤوا في الإبداع الفدائي على سنن واحد، فإن لهم تقاربا آخر في حصص الموت الدائب، والجوع المسافر بين الأخبية والخيام والأنقاض، وبين الأمعاء والجوانح.

    الجوع.. النار التي تحرق أطفال غزة

    أضعف من غيرهم، وأقل قدرة على الصبر، وجد أطفال غزة أنفسهم الضحية الأولى للجوع، ويصل معدل الموت بسبب الجوع إلى أكثر من 900 نفس حتى الآن، فضلا عن آلاف المصابين من الباحثين عن لقمة العيش، وسط ترف متواصل من التحذيرات العالمية التي لا يستمع إليها أحد.

    وبشكل خاص فإن قرابة 71 ألف طفل في غزة يواجهون خطر الموت جوعا، ويتطلب إنقاذهم إيصال علاج سريع لمواجهة سوء التغذية الذي بات السحنة الوحيدة التي تحتضنها أجساد أطفال غزة بعد أن أصبحت خرائط للجوع، وباتت الضلوع الضاوية والعظام البالية، والأرواح التي كادت تبلغ الحلاقيم، أبرز الصور القادمة يوميا من أرجاء غزة.

    المساعدات فخاخ الموت

    ينصب الاحتلال الإسرائيلي للأرواح الغزية أكثر من شباك، فتلقي عليهم الموت حسوما من القصف المستمر والتفجير، ثم تقتنص الأرواح مجددا، عندما يزدحم الجوعى في أماكن تقسيم المساعدات الهزيلة.

    هنا تتعدد صور المأساة؛ هذا استشهد بقصف مباشر، وهذا توفي محتضنا قطعة خبز، وآخر تمزق أشلاء وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى علبة تونة، وآخر تحت الزحام قضى بعد أن دهسته أقدام الفارين من اللهب الذي أمطرهم به الاحتلال الإسرائيلي.

    وأدمنت الاحتلال الإسرائيلي قصف المتجمهرين حول مراكز توزيع الأغذية التي أصبحت تمسى في غزة بمصائد الموت، أو أمام ما كان يعرف بالمطابخ الكبرى في غزة، كما أنها أيضا أدمنت قصف المستشفيات في سعي متواصل للإبادة الشاملة ولا شيء غيرها.

    ووفق اليونيسيف فإن 470 ألف شخص في غزة يواجهون جوعا كارثيا (المرحلة 5 وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)، كما يؤكد البرنامج الدولي أن 71 ألف طفل غزي يحتاجون وبشكل عاجل جدا إلى علاج لمواجهة سوء التغذية، رفقة قرابة 17 ألف أم يواجهن نفس المصير الكالح.

    وليس هذا الجزء المشار إليه بالوضعية الكارثية، إلا قمة جبل الموت في غزة، حيث يحيط الجوع أو –التجويع على الأصح– بكل سكان غزة، ويواجهون عجزا كارثيا عن الوصول إلى الغذاء.

    وترفع اليونيسيف صوت النذير العريان لتؤكد “أنَّ العمليات العسكرية المتجددة، والحصار الشامل الجاري، والنقص الحيوي للإمدادات المطلوبة للبقاء قد تدفع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وسوء التغذية الشديد، والوفيات إلى ما يتجاوز عتبة المجاعة خلال الأشهر المقبلة”.

    هل إلى لقمة من سبيل؟

    بات هذا السؤال لسان حال أهل غزة، في أخبيتهم الصغيرة، وتحت الأنقاض، وبين أَسِرة المستشفيات التي تضيق بالأفواج الواردة إليها من الصغار وكبار السن الذين يعانون حشرجة الموت، وتكلس الأمعاء الخاوية.

    ومع عجز المستشفيات عن استقبال هذه الأعداد الهائلة، وعجزها عن توفير الحد الأدنى من العلاج والإسعاف، فإن الاحتلال الإسرائيلي يقترب كما ترى من تحقيق رهان إنهاك الأجساد، حتى لا تقوى على حمل الروح المفعمة بالصمود والمقاومة والصبر.

    وفيما يستفّ الجوع أجساد الغزاويين، يقرع صوت المتحدث العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة، أسماع عالم عربي طويل، تضج المظاهرات حينا، ثم تتوالى بعد ذلك حالة من الخبو والتعود، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم.

    المصـــــــــــدرالجزيرة
    spot_imgspot_img